قوله تعالى: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم} قال الزجاج: {إذ} في موضع نصب، والمعنى: وليربط إذ يوحي. ويجوز أن يكون المعنى: واذكروا إذ يوحي. قال ابن عباس: وهذا الوحي: إلهام.
قوله تعالى: {إلى الملائكة} وهم الذين أمدَّ بهم المسلمين. {أني معكم} بالعون والنصرة. {فثبِّتوا الذين آمنوا} فيه أربعة أقوال.
أحدها: قاتلوا معهم، قاله الحسن.
والثاني: بشِّروهم بالنصر، فكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل، ويقول: أبشروا فان الله ناصركم، قاله مقاتل.
والثالث: ثبِّتوهم بأشياء تُلْقُونها في قلوبهم تَقوى بها. ذكره الزجاج.
والرابع: صححوا عزائمهم ونياتهم على الجهاد، ذكره الثعلبي. فأما الرعب: فهو الخوف. قال السائب بن يسار: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السُّوائيَّ عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين كيف؟ كان يأخذ الحصى فيرمي به الطَّست فيطِنُّ، فيقول: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.
قوله تعالى: {فاضربوا فوق الأعناق} في المخاطب بهذا قولان.
أحدهما: أنهم الملائكة، قال ابن الأنباري: لم تعلم الملائكة أين تقصد بالضرب من الناس، فعلَّمهم الله تعالى ذلك.
والثاني: أنهم المؤمنون، ذكره جماعة من المفسرين. وفي معنى الكلام قولان.
أحدهما: فاضربوا الأعناق، و«فوق» صلة، وهذا قول عطية، والضحاك، والأخفش، وابن قتيبة. وقال أبو عبيدة: «فوق» بمعنى «على»، تقول: ضربته فوق الرأس، وضربته على الرأس.
والثاني: اضربوا الرؤوس لانها فوق الأعناق، وبه قال عكرمة.
وفي المراد بالبنان ثلاثة أقوال.
أحدها: إنه الأطراف، قاله ابن عباس، والضحاك. وقال الفراء: علَّمَهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل. وقال أبو عبيدة، وابن قتيبة: البنان أطراف الأصابع. قال ابن الأنباري: واكتفى بهذا من جملة اليد والرِّجل.
والثاني: أنه كل مَفْصِل، قاله عطية، والسدي.
والثالث: أنه الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء، والمعنى: أنه أباحهم قتلهم بكل نوع، هذا قول الزجاج. قال: واشتقاق البنان من قولهم: أبَنَّ بالمكان: إذا أقام به؛ فالبنان به يُعتمل كلُّ ما يكون للاقامة والحياة.
قوله تعالى: {ذلك بأنهم شاقُّوا الله} {ذلك} إشارة إلى الضرب، {وشاقوا} بمعنى: جانبوا، فصاروا في شِقٍّ غيرِ شقِّ المؤمنين.
قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه} خطاب للمشركين؛ والمعنى: ذوقوا هذا في عاجل الدنيا. وفي فتح «أنَّ» قولان.
أحدهما: باضمار فعل، تقديره: ذلكم فذوقوه واعلموا أن للكافرين.
والثاني: أن يكون المعنى: ذلك بأن للكافرين عذاب النار. فاذا ألقيت الباء، نصبت. وإن شئت، جعلت «أن» في موضع رفع، يريد: ذلكم فذوقوه، وذلكم أن للكافرين عذاب النار، هذا معنى قول الفراء.