خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
١٥
قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
١٦
-الرعد

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } أضيفت إلى الحق الذي هو ضد الباطل للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق وأنها بمعزل من الباطل والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ويعطي الداعي سؤله فكانت دعوة ملابسة للحق لكونه حقيقاً بأنه يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه واتصال { شديد المحال } وله دعوة الحق بما قبله على قصة أربد ظاهر لأن إصابته بالصاعقة محال من الله ومكر به من حيث لم يشعر وقد دعا رسول الله عليه وعلى صاحبه بقوله: "اللهم اخسفهما بما شئت" فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق وعلى الأول وعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم وإجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم إن دعا عليهم { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } والآلهة الذين يدعوهم الكفار { مِن دُونِهِ } من دون الله { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ } من طلباتهم { إِلاَّ كَبَـٰسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ } الاستثناء من المصدر أي من الاستجابة التي دل عليها لا يستجيبون لأن الفعل بحروفه يدل على المصدر وبصيغته على الزمان وبالضرورة على المكان والحال فجاز استثناء كل منها من الفعل فصار التقدير: لا يستجيبون استجابة إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم. واللام في ليبلغ متعلق بـ { باسط كفيه } { وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } وما الماء ببالغ فاه { وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلَـٰلٍ } في ضياع لا منفعة فيه لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وإن دعوا الأصنام لم تستطع إجابتهم

{ وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } سجود تعبد وانقياد { طَوْعاً } حال يعني الملائكة والمؤمنين { وَكَرْهًا } يعني المنافقين والكافرين في حال الشدة والضيق { وَظِلَـٰلُهُم } معطوف على { من } جمع ظل { بِٱلْغُدُوِّ } جمع غداة كقنىً وقناة { وَٱلآصَالِ } جمع أصل أصيل. قيل ظل كل شيء يسجد لله بالغدو والآصال، وظل الكافر يسجد كرهاً وهو كاره، وظل المؤمن يسجد طوعاً وهو طائع { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ } حكاية لاعترافهم لأنه إذا قال: لهم من رب السموات والأرض لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، دليله قراءة ابن مسعود وأبي { قالوا الله } أو هو تلقين أي فإن لم يجيبوا فلقنهم فإنه لا جواب إلا هذا { قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } أبعد أن علمتموه رب السماوات والأرض اتخذتم من دونه آلهة { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّاً } لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا ضرراً عنها فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب فما أبين ضلالتكم.

{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي الكافر والمؤمن أو من لا يبصر شيئاً ومن لا يخفى عليه شيء { أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ٱلظُّلُمَـٰتُ وَٱلنُّورُ } ملل الكفر والإيمان. { يستوي } كوفي غير حفص { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ } بل أجلعوا ومعنى الهمزة الإنكار { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } خلقوا مثل خلقه وهو صفة لـ { شركاء } أي أنهم لم يتخذوا الله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله { فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } فاشتبه عليهم مخلوق الله بمخلوق الشركاء حتى يقولوا قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلاً أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق { قُلِ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَيْءٍ } أي خالق الأجسام والأعراض لا خالق غير الله ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة، ومن قال إن الله لم يخلق أفعال الخلق وهم خلقوها فتشابه الخلق على قولهم { وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ } المتوحد بالربوبية { ٱلْقَهَّارُ } لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور