خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٢٤
ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
١٢٥
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ
١٢٦
-النحل

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ إنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ } أي فرض عليهم تعظيمه وترك الاصطياد فيه { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } رُوى أن موسى عليه السلام أمرهم أن يجعلوا في الأسبوع يوماً للعبادة وأن يكون يوم الجمعة فأبوا عليه وقالوا: نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السماوات والأرض وهو السبت، إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة فهذا اختلافهم في السبت لأن بعضهم اختاروه وبعضهم اختاروا عليه الجمعة، فأذن الله لهم في السبت وابتلاهم بتحريم الصيد، فأطاع أمر الله الراضون بالجمعة فكانوا لا يصيدون، وأعقابهم لم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله دون أولئك وهو يحكم بينهم يوم القيامة فيجازي كل واحد من الفريقين بما هو أهله { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ } إلى الإسلام { بِالْحِكْمَةِ } بالمقالة الصحيحة المحكمة وهو الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة { وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها، أو بالقرآن أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة، أو الحكمة المعرفة بمراتب الأفعال والموعظة الحسنة أن يخلط الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة { وَجَادِلُهُم بِالِّتِي هِيَ أَحْسَنُ } بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة، أو بما يوقظ القلوب ويعظ النفوس ويجلو العقول وهو رد على من يأبى المناظرة في الدين { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } أي هو أعلم بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل. { وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ } سمى الفعل الأول عقوبة والعقوبة هي الثانية لازدواج الكلام كقوله { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى: 40] فالثانية ليست بسيئة، والمعنى إن صنع بكم صنيع سوء من قتل أونحوه فقابلوه بمثله ولا تزيدوا عليه. رُوى أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد، وبقروا بطونهم وقطعوا مذاكيرهم، فرأى النبي عليه السلام حمزة مبقور البطن فقال: "أما والذي أحلف به لأمثلن بسبعين مكانك" فنزلت فكفر عن يمينه وكف عما أراده. ولا خلاف في تحريم المثلة لورود الأخبار بالنهي عنها حتى بالكلب العقور { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } الضمير في { لهو } يرجع إلى مصدر { صبرتم } والمراد بالصابرين المخاطبون أي ولئن صبرتم لصبركم خير لكم، فوضع { الصابرين } موضع الضمير ثناء من الله عليهم لأنهم صابرون على الشدائد، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم