خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ
٥١
وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ
٥٢
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ
٥٣
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
٥٤
لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٥٥
وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ
٥٦
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ
٥٧
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ
٥٨
يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٥٩
-النحل

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } فإن قلت: إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص، فأما رجل ورجلان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال «رجل واحد ورجلان اثنان». قلت: الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين: على الجنسية والعدد المخصوص. فإذا أريدت الدلالة على أن المعنيّ به منهما هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت «إنما هو إلٰه» ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلٰهية لا الوحدانية { فَإيَّـٰيَ فَٱرْهَبُونِ } نقل الكلام عن الغيبة إلى التكلم وهو من طريقة الالتفات وهو أبلغ في الترغيب من قوله «فإياي فارهبوه». { فارهبوني } يعقوب { وَلَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ } أي الطاعة { وَاصِبًا } واجباً ثابتاً لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه، وهو حال عمل فيه الظرف، أو وله الجزاء دائماً يعني الثواب والعقاب { أَفَغْيَرَٱللَّهِ تَتَّقُونَ وَمَا بِكُم مّن نِّعْمَةٍ } وأي شيء اتصل بكم من نعمة عافية وغنى وخصب { فَمِنَ ٱللَّهِ } فهو من الله { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ } المرض والفقر والجدب { فَإِلَيْهِ تَجْـئَرُونَ } فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } الخطاب في و{ ما بكم من نعمة } إن كان عاماً فالمراد بالفريق الكفرة، وإن كان الخطاب للمشركين فقوله { منكم } للبيان لا للتبعيض كأنه قال: فإذا فريق كافر وهم أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله { فَلَمَّا نَجَّـٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [لقمان: 32] { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ } من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة، ثم أوعدهم فقال { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } هو عدول إلى الخطاب على التهديد { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ } أي لآلهتهم، ومعنى { لا يعلمون } أنهم يسمونها آلهة ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله وليس كذلك لأنها جماد لا تضر ولا تنفع، أو الضمير في { لا يعلمون } للآلهة أي لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا تشعر أجعلوا لها نصيباً في أنعامهم وزروعهم أم لا، وكانوا يجعلون لهم ذلك تقرباً إليهم { تَٱللَّهِ لَتُسْـئَلُنَّ } وعيد { عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } من أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَـٰتِ } كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله { سُبْحَـٰنَهُ } تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه أو تعجب من قولهم { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } يعني البنين. ويجوز في «ما» الرفع على الابتداء و{ لهم } الخبر، والنصب على العطف على { البنات }، و{ سبحانه } اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّا } أي صار فظل وأمسى وأصبح وبات تستعمل بمعنى الصيرورة لأن أكثر الوضع يتفق بالليل فيظل نهاره مغتماً مسود الوجه من الكآبة والحياء من الناس { وَهُوَ كَظِيمٌ } مملوء حنقاً على المرأة { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } يستخفى منهم من أجل سوء المبشر به ومن أجل تعييرهم ويحدث نفسه وينظر { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ } أيمسك ما بشر به على هون وذل { أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ } أم يئده { أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ } حيث يجعلون الولد الذي هذا محله عندهم لله ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف

.