خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً
٩٧
إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً
٩٨
كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً
٩٩
مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً
١٠٠
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً
١٠١
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً
١٠٢
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً
١٠٣
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً
١٠٤
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً
١٠٥
فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً
١٠٦
لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً
١٠٧
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً
١٠٨
-طه

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ قَالَ } له موسى { فَٱذْهَبْ } من بيننا طريداً { فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ } ما عشت { أَن تَقُولَ } لمن أراد مخالطتك جاهلاً بحالك { لاَ مِسَاسَ } أي لا يمسني أحد ولا أمسه فمنع من مخالطة الناس منعاً كلياً وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته، وإذا اتفق أن يماس أحداً حم الماس والممسوس. وكان يهيم في البرية يصيح لا مساس ويقال: إن ذلك موجود في أولاده إلى الآن. وقيل: أراد موسى عليه السلام أن يقتله فمنعه الله تعالى منه لسخائه { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ينجزه لك في الآخرة بعدما عاقبك بذاك في الدنيا { لَّن تُخْلَفَهُ } مكي وأبو عمر وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ } وأصله ظللت فحذف اللام الأولى تخفيفاً { عَاكِفاً } مقيماً { لَّنُحَرّقَنَّهُ } بالنار { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ } لنذرينه { فِى ٱلْيَمّ نَسْفاً } فحرقه وذراه في البحر فشرب بعضهم من مائة حباً له فظهرت على شفاههم صفرة الذهب. { إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً } تمييز أي وسع علمه كل شيء.

ومحل الكاف في { كَذٰلِكَ } نصب أي مثل ما اقتصصنا عليك قصة موسى وفرعون { نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ } من أخبار الأمم الماضية تكثيراً لبيناتك وزيادة في معجزاتك { وَقَدْ آتَيْنَـٰكَ } أي أعطيناك { مّن لَّدُنَّـا } من عندنا { ذِكْراً } قرآناً فهو ذكر عظيم وقرآن كريم فيه النجاة لمن أقبل عليه، وهو مشتمل على الأقاصيص والأخبار الحقيقة بالتفكر والاعتبار { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } عن هذا الذكر وهو القرآن ولم يؤمن به { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً } عقوبة ثقيلة سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الثقيل الذي ينقض ظهره ويلقى عليه بهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم { خَـٰلِدِينَ } حال من الضمير في { يَحْمِلُ } وإنما جمع على المعنى ووحد في { فَإِنَّهُ } حملاً على لفظ من { فِيهِ } في الوزر أي في جزاء الوزر وهو العذاب { وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْلاً } ساء في حكم بئس وفيه مبهم يفسره { حِمْلاً } وهو تمييز واللام في { لَهُمْ } للبيان كما في { هَيْتَ لَكَ } [يوسف: 23] والمخصوص بالذم محذوف لدلالة الوزر السابق عليه تقديره ساء الحمل حملاً وزرهم.

{ يَوْمَ يُنفَخُ } بدل من { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ }، { ننفخ } أبو عمرو { فِى ٱلصُّورِ } القرن أو هو جمع صورة أي ننفخ الأرواح فيها دليله قراءة قتادة الصور بفتح الوّاو جمع صورة { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } حال أي عمياً كما قال { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا } [الإسراء: 97] وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق { يَتَخَـٰفَتُونَ } يتسارون { بَيْنَهُمْ } أي يقول بعضهم لبعض سراً لهول ذلك اليوم { إِن لَّبِثْتُمْ } ما لبثتم في الدنيا { إِلاَّ عَشْراً } أي عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر، لأن أيام السرور قصار، أو لأنها ذهبت عنهم والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء، أو لاستطالتهم الآخرة لأنها أبداً يستقصر إليها عمر الدنيا ويتقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة، وقد رجح الله قول من يكون أشد تقالاً منهم بقوله { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أعد لهم قولاً { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } وهو كقوله { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ ٱلْعَادّينَ } [المؤمنون: 113].

{ وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يصنع بالجبال يوم القيامة؟ وقيل: لم يسئل وتقديره إن سألوك { فَقُلْ } ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } [البقرة: 222] وقوله { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ قُلْ إصلاح لهم خير } [البقرة: 220] { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } [البقرة: 219] { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي } [الأعراف: 187] { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ } [الإسراء: 85] { { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ } [الكهف: 83] لأنها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء.

{ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً } أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذرى الطعام. وقال الخليل: يقلعها { فَيَذَرُهَا } فيذر مقارها أو يجعل الضمير للأرض للعلم بها كقوله { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } [فاطر: 45] { قَاعاً صَفْصَفاً } مستوية ملساء { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً } انخفاضاً { وَلا أَمْتاً } ارتفاعاً والعوج بالكسر إن كان في المعاني كما أن المفتوح في الأعيان والأرض عين، ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وإن دقت الحيلة ولطفت جرت مجرى المعاني { يَوْمَئِذٍ } أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال أي يوم إذ نسفت وجاز أن يكون بدلاً بعد بدل من يوم القيامة { يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ } إلى المحشر أي صوت الداعي وهو إسرافيل حين ينادي على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا يعدلون عنه { لاَ عِوَجَ لَهُ } أي لا يعوج له مدعو بل يستوون إليه من غير انحراف متبعين لصوته { وَخَشَعَتِ } وسكنت { ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } هيبة وإجلالاً { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } صوتاً خفيفاً لتحريك الشفاه. وقيل: هو من همس الإبل وهو صوت أخفافها إذا مشت أي لا تسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر.