خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
٢٣
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
٢٤
-القصص

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَلَمَّا وَرَدَ } وصل { مَاء مَدْيَنَ } ماءهم الذي يسقون منه وكان بئراً { وَجَدَ عَلَيْهِ } على جانب البئر { أُمَّةً } جماعة كثيرة { مِنَ ٱلنَّاسِ } من أناس مختلفين { يُسْقَوْنَ } مواشيهم { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } في مكان أسفل من مكانهم { ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } تطردان غنمهما عن الماء لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا تتمكنان من السقي أو لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم، والذود الطرد والدفع { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } ما شأنكما وحقيقته ما مخطوبكما أي ما مطلوبكما من الذياد فسمي المخطوب خطباً { قَالَتَا لاَ نَسْقِى } غنمنا { حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرّعَاء } مواشيهم { يصدر } شامي ويزيد وأبو عمرو أي يرجع والرعاء جمع راعٍ كقائم وقيام { وَأَبُونَا شَيْخٌ } لا يمكنه سقي الأغنام { كَبِيرٌ } في حاله أو في السن لا يقدر على رعي الغنم، أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما.

{ فَسَقَىٰ لَهُمَا } فسقى غنمهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف. روي أنه نحى القوم عن رأس البئر وسألهم دلواً فأعطوه دلوهم وقالوا: استق بها وكانت لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة. وترك المفعول في { يسقون } و { تذودان } و { لا نسقي } و { فسقى } لأن الغرض هو الفعل لا المعفول، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلاً، وكذا في { لا نسقي } و { فسقى } فالمقصود هو السقي لا المسقى. ووجه مطابقة جوابها سؤاله أنه سألهما عن سبب الذود فقالتا: السبب في ذلك أنا امرأتان مستورتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من الاختلاط بهم فلا بدلنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا. وإنما رضي شعيب عليه السلام لابنتيه بسقي الماشية لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور والدين لا يأباه، وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة.

{ ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظّلّ } أي ظل سمرة، وفيه دليل جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة ولما طال البلاء عليه أنس بالشكوى إذ لا نقص في الشكوى إلى المولى { فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا } لأي شيء { أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ } قليل أو كثير غثٍ أو سمين { فَقِيرٌ } محتاج، وعدي { فقير } باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب. قيل: كان لم يذق طعاماً سبعة أيام وقد لصق بظهره بطنه. ويحتمل أن يريد أني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلي من خير الدارين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة، قال ذلك رضاً بالبدل السني وفرحاً به وشكراً له. وقال ابن عطاء: نظر من العبودية إلى الربوبية وتكلم بلسان الافتقار لما ورد على سره من الأنوار