خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ
١٨
أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٩
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٠
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢١
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ
٢٢
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٢٣
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
٢٤
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٢٥
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ
٢٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ
٢٧
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٨
قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ
٢٩
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ
٣٠
-السجدة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً } أي كافراً وهما محمولان على لفظ من وقوله { لاّ يستوون } على المعنى بدليل قوله { أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم جنّات المأوى } هي نوع من الجنان تأوي إليها أرواح الشهداء. وقيل: هي عن يمين العرش { نزلاً بما كانوا يعملون } عطاء بأعمالهم والنزل عطاء النازل ثم صار عاماً { وأمّا الّذين فسقوا فمأواهم النّار } أي ملجؤهم ومنزلهم { كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم } أي تقول لهم خزنة النار { ذوقوا عذاب النّار الّذي كنتم به تكذّبون } وهذا دليل على أن المراد بالفاسق الكافر إذ التكذيب يقابل الإيمان { ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى } أي عذاب الدنيا من الأسر وما محنوا به من السنة سبع سنين { دون العذاب الأكبر } أي عذاب الآخرة أي نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة. وعن الداراني: العذاب الأدنى الخذلان والعذاب الأكبر الخلود في النيران. وقيل: العذاب الأدنى عذاب القبر { لعلّهم } لعل المعذبين بالعذاب الأدنى { يرجعون } يتوبون عن الكفر { ومن أظلم ممّن ذكّر } وعظ { بآيات ربّه } أي بالقرآن { ثمّ أعرض عنها } أي فتولى عنها ولم يتدبر فيها. و«ثم» للاستبعاد أي أن الإعراض عن مثل هذه الآيات في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها، مستبعد في العقل كما تقول لصاحبك «وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها» استبعاداً لتركه الانتهاز { إنّا من المجرمين منتقمون } ولم يقل «منه» لأنه إذا جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم فقد دل على إصابة الأظلم النصيب الأوفر من الانتقام، ولو قال بالضمير لم يفد هذه الفائدة.

{ ولقد آتينا موسى الكتاب } التوراة { فلا تكن في مريةٍ } شك { من لقائه } من لقاء موسى الكتاب أو من لقائك موسى ليلة المعراج أو يوم القيامة أو من لقاء موسى ربه في الآخرة كذا عن النبي صلى الله عليه وسلم { وجعلناه هدًى لّبني إسرائيل } وجعلنا الكتاب المنزل على موسى لقومه هدى { وجعلنا منهم أئمّةً } بهمزتين: كوفي وشامي { يهدون } بذلك الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه { بأمرنا } إياهم بذلك { لمّا صبروا } حين صبروا على الحق بطاعة الله أو عن المعاصي { لما صبروا } حمزة وعلي أي لصبرهم عن الدنيا، وفيه دليل على أن الصبر ثمرته إمامة الناس { وكانوا بآياتنا } التوراة { يوقنون } يعلمون علماً لا يخالجه شك { إنّ ربّك هو يفصل } يقضي { بينهم يوم القيامة } بين الأنبياء وأممهم أو بين المؤمنين والمشركين { فيما كانوا فيه يختلفون } فيظهر المحق من المبطل.

{ أو لم } الواو للعطف على معطوف عليه منوي من جنس المعطوف أي أو لم يدع { يهد } يبين والفاعل الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب { نهد } { لهم } لأهل مكة { كم } لا يجوز أن يكون «كم» فاعل { يهدى } لأن «كم» للاستفهام فلا يعمل فيه ما قبله ومحله نصب بقوله { أهلكنا من قبلهم مّن القرون } كعاد وثمود وقوم لوط { يمشون في مساكنهم } أي أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم { إنّ في ذلك لآياتٍ أفلا يسمعون } المواعظ فيتعظوا { أو لم يروا أنّا نسوق الماء } نجري المطر والأنهار { إلى الأرض الجرز } أي الأرض التي جرز نباتها أي قطع إما لعدم الماء أو لأنه رعي، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز بدليل قوله { فنخرج به } بالماء { زرعاً تأكل منه } من الزرع { أنعامهم } من عصفه { وأنفسهم } من حبه { أفلا يبصرون } بأعينهم فيستدلوا به على قدرته على إحياء الموتى { ويقولون متى هذا الفتح } النصر أو الفصل بالحكومة من قوله { ربنا افتح بيننا } [الأعراف: 89] وكان المسلمون يقولون إن الله سيفتح لنا على المشركين أو بفتح بيننا وبينهم فإذا سمع المشركون ذلك قالوا: متى هذا الفتح أي في أي وقت يكون { إنّ كنتم صادقين } في أنه كائن.

{ قل يوم الفتح } أي يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم أو يوم نصرهم عليهم أو يوم بدر أو يوم فتح مكة { لا ينفع الّذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون } وهذا الكلام لم ينطبق جواباً على سؤالهم ظاهراً ولكن لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالاً منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزئوا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلا ينفعكم الإيمان، أو استنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا، ومن فسره بيوم الفتح أو بيوم بدر فهو يريد المقتولين منهم فإنهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل كما لم ينفع فرعون إيمانه عند الغرق { فأعرض عنهم وانتظر } النصرة وهلاكهم { إنّهم مّنتظرون } الغلبة عليكم وهلاككم، وكان عليه السلام لا ينام حتى يقرأ «{ ألم تنزيل }» السجدة و { { تبارك الذي بيده الملك } [الملك: 1] وقال "من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام" وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سورة الم تنزيل هي المانعة تمنع من عذاب القبر. والله أعلم.