خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً
٣١
يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٣٢
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً
٣٣
وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً
٣٤
إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٣٥
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً
٣٦
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٣٧
-الأحزاب

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } القنوت الطاعة { وَتَعْمَلْ صَـٰلِحاً نُؤْتِهَـا } وبالياء فيهما: حمزة وعلي { أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } مثلي ثواب غيرها { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } جليل القدر وهو الجنة { يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء } أي لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل. وأحد في الأصل بمعنى وحد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه { إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } إن أردتن التقوى أو إن كنتن متقيات { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } أي إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب فلا تجئن بقولكن خاضعاً أي ليناً خنثاً مثل كلام المريبات { فَيَطْمَعَ } بالنصب على جواب النهي { ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ } ريبة وفجور { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } حسناً مع كونه خشناً { وَقَرْنَ } مدني وعاصم غير هبيرة وأصله «اقررن» فحذفت الراء تخفيفاً وألقيت فتحتها على ما قبلها، أو من قار يقار إذا اجتمع. والباقون { قَرْنٍ } من وقر يقر وقاراً، أو من قرّ يقر، حذفت الأولى من راء اقررن قراراً من التكرار ونقلت كسرتها إلى القاف { فِى بُيُوتِكُـنَّ } بضم الباء بصري ومدني وحفص { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ } أي القديمة. والتبرج التبختر في المشي وإظهار الزينة والتقدير: ولا تبرجن تبرجاً مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى ـ وهي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم أو ما بين آدم ونوح عليهما السلام أو زمن داود وسليمان ـ والجاهلية الأخرى ـ ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام. أو الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى ـ ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام. أو الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام.

{ وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } خص الصلاة والزكاة بالأمر ثم عم بجميع الطاعات تفضيلاً لهما لأن من واظب عليهما جرتاه إلى ما وراءهما { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } نصب على النداء أو على المدح، وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته. وقال: { عَنْكُمْ }، لأنه أريد الرجال والنساء من آله بدلالة { وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً } من نجاسة الآثام. ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآثم وليتصونوا عنها بالتقوى. واستعار الذنوب الرجس وللتقوى الطهر، لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها كما يتلوث بدنه بالأرجاس، وأما المحسنات فالعرض منها نقي كالثوب الطاهر وفيه تنفير لأولي الألباب عن المناهي وترغيب لهم في الأوامر { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ مِنْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } القرآن { وَٱلْحِكْــمَةِ } أي السنة أو بيان معاني القرآن { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً } عالماً بغوامض الأشياء { خَبِيراً } عالماً بحقائقها أي هو عالم بأفعالكن وأقوالكن فاحذرن مخالفة أمره ونهيه ومعصية رسوله.

ولما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء، فنزلت:

{ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } المسلم الداخل في السّلم بعد الحرب المنقاد الذي لا يعاند، أو المفوض أمره إلى الله المتوكل عليه من أسلم وجهه إلى الله { وَٱلْمُؤْمِنِينَ } المصدقين بالله ورسوله وبما يجب أن يصدق به { وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ } القائمين بالطاعة { وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ } في النيات والأقوال والأعمال { وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرٰتِ } على الطاعات وعن السيئات { وَٱلْخَـٰشِعِينَ } المتواضعين لله بالقلوب والجوارح أو الخائفين { وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلْمُتَصَدّقِينَ وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ } فرضاً ونفلاً { وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ } فرضاً ونفلاً. وقيل: من تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين، ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين { وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ } عما لا يحل { وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ وَٱلذكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً } بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر والمعنى والحافظات فروجهن { والذاكرات } الله فحذف لدلالة ما تقدم عليه. والفرق بين عطف الإناث على الذكور وعطف الزوجين على الزوجين لأن الأول نظير قوله { ثَيّبَـٰتٍ وَأَبْكَاراً } [التحريم: 5] في أنهما جنسان مختلفان واشتركا في حكم واحد فلم يكن بد من توسط العاطف بينهما، وأما الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ومعناه أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } على طاعاتهم.

خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بنت عمته أميمة على مولاه زيد بن حارثة فأبت وأبى أخوها عبد الله فنزلت { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } أي وما صح لرجل مؤمن ولا امرأة مؤمنة { إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي رسول الله { أمْراً } من الأمور { أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } أن يختاروا من أمرهم ما شاءوا بل من حقهم أن يجعلوا رأيهم تبعاً لرأيه واختيارهم تلوا لاختياره فقالا: رضينا يا رسول الله، فأنكحها إياه وساق عنه إليها مهرها. وإنما جمع الضمير في { لَهُمْ } وإن كان من حقه أن يوحد لأن المذكورين وقعا تحت النفي فعما كل مؤمن ومؤمنة فرجع الضمير إلى المعنى لا إلى اللفظ. و{ يَكُونَ } بالياء: كوفي، والخيرة ما يتخير ودل ذلك على أن الأمر للوجوب { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِيناً } فإن كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال وكفر، وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق.

{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بالإسلام الذي هو أجل النعم { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالإعتاق والتبني فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسوله وهو زيد بن حارثة { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } زينب بنت جحش، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصرها بعدما أنكحها إياه فوقعت في نفسه فقال: " سبحان الله مقلب القلوب" وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: "مالك أرابك منها شيء؟" قال: "لا والله ما رأيت منها إلا خيراً ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني فقال له: أمسك عليك زوجك" { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } فلا تطلقها. وهو نهي تنزيه إذ الأولى أن لا يطلق أو واتق الله فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج { وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } أي تخفي في نفسك نكاحها إن طلقها زيد وهو الذي أبداه الله تعالى. وقيل: الذي أخفى في نفسه تعلق قلبه بها ومودة مفارقة زيد إياها. والواو في { وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ } { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } أي قالة الناس إنه نكح امرأة ابنه { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ } واو الحال أي تقول لزيد أمسك عليك زوجك مخفياً في نفسك إرادة أن لا يمسكها وتخفي خاشياً قالة الناس وتخشى الناس حقيقاً في ذلك بأن تخشى الله. وعن عائشة رضي الله عنها: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآية.

{ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً } الوطر الحاجة فإذا بلغ البالغ حاجته من شيء له فيه همة. قيل: قضى منه وطره، والمعنى فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها { زَوَّجْنَـٰكَهَا }. روي أنها لما اعتدت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد«: " ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك: أخطب عليّ زينب" قال زيد: فانطلقت وقلت: يا زينب أبشري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبك ففرحت وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار { لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } قيل: قضاء الوطر إدراك الحاجة وبلوغ المراد منه { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } الذي يريد أن يكونه { مَفْعُولاً } مكوناً لا محالة وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب.