{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } بالتشديد: كوفي أي حقق عليهم ظنه أو وجده صادقاً، وبالتخفيف: غيرهم أي صدق في ظنه { فَٱتَّبَعُوهُ } الضمير في { عَلَيْهِمْ } و { ٱتَّبَعُوهُ } لأهل سبإ أو لبني آدم. وقلل المؤمنين بقوله { إِلاَّ فَرِيقاً مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لقلتهم بالإضافة إلى الكفار
{ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } [الأعراف: 17] { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ } لإبليس على الذين صار ظنه فيهم صدقاً { مِنْ سُلْطَـٰنٍ } من تسليط واستيلاء بالوسوسة { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } موجوداً ما علمناه معدوماً والتغير على المعلوم لا على العلم { مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شَىْء حَفُيظٌ } محافظ عليه وفعيل ومفاعل متآخيان { قُلْ } لمشركي قومك { ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ } أي زعمتموهم آلهة من دون الله، فالمفعول الأول الضمير الراجع إلى الموصول وحذف كما حذف في قوله { أَهَـٰذَا ٱلَّذِى بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } [الفرقان: 41] استخفافاً لطول الموصول بصلته. والمفعول الثاني آلهة وحذف لأنه موصوف صفته { مِن دُونِ ٱللَّهِ } والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوماً، فإذاً مفعولا زعم محذوفان بسببين مختلفين، والمعنى ادعوا الذين عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه والتجئوا إليهم فيما يعروكم كما تلتجئون إليه وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته، ثم أجاب عنهم بقوله { لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ } من خير أو شر أو نفع أو ضر { فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ } وما لهم في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك { وَمَا لَهُ } تعالى { مِنْهُمْ } من آلهتهم { مّن ظَهِيرٍ } من عوين يعينه على تدبير خلقه يريد أنهم على هذه الصفة من العجز فكيف يصح أن يدعوا كما يدعي ويرجوا كما يرجى. { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي أذن له الله يعني إلا من وقع الإذن للشفيع لأجله وهي اللام الثانية في قولك «أذن لزيد لعمرو» أي لأجله، وهذا تكذيب لقولهم
{ هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } { أَذِنَ لَهُ } كوفي غير عاصم إلا الأعشى { حَتَّىٰ إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن و { فَزّعَ } شامي أي الله تعالى، والتفزيع إزالة الفزع و { حَتَّىٰ } غاية لما فهم من أن ثم انتظاراً للإذن وتوقفاً وفزعاً من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لا يؤذن لهم كأنه قيل: يتربصون ويتوقعون ملياً فزعين حتى إذا فزع عن قلوبهم { قَالُواْ } سأل بعضهم بعضاً { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ } قال { ٱلْحَقّ } أي القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى. { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ } ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه وان يشفع إلا لمن ارتضى
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ } أمره بأن يقررهم بقوله { مَن يَرْزُقُكُم } ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله «يرزقكم الله» وذلك للإشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به لأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } ومعناه وإن أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موالٍ أو منافٍ قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك. وفي درجة بعد تقدم ما قدم من التقرير دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ولكن التعرض أوصل بالمجادل إلى الغرض، ونحوه قولك للكاذب «إن أحدنا لكاذب». وخولف بين حرفي الجر الداخلين على الهدى والضلال لأن صاحب الهدى كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء، والضال كأنه ينغمس في ظلام لا يرى أين يتوجه.
{ قُل لاَّ تُسْـئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْـئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } هذا أدخل في الإنصاف من الأول حيث أسند الإجرام إلى المخاطبين وهو مزجور عنه محظور، والعمل إلى المخاطبين وهو مأمور به مشكور.
{ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا } يوم القيامة { ثُمَّ يَفْتَحُ } يحكم { بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ } بلا جور ولا ميل { وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ } الحاكم { ٱلْعَلِيمُ } بالحكم { قُلْ أَرُونِىَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ } أي ألحقتموهم { بِهِ } بالله { شُرَكَاء } في العبادة معه. ومعنى قوله { أَرُونِىَ } وكان يراهم أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الإشراك به { كَلاَّ } ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالكم { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ } الغالب فلا يشاركه أحد وهو ضمير الشأن { ٱلْحَكِيمُ } في تدبيره { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ } إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتّهم أن يخرج منها أحد منهم. وقال الزجاج: معنى الكافة في اللغة الإحاطة، والمعنى أرسلناك جامعاً للناس في الإنذار والإبلاغ، فجعله حالاً من الكاف والتاء على هذا للمبالغة كتاء الراوية والعلاّمة { بَشِيراً } بالفضل لمن أقر { وَنَذِيرًا } بالعدل لمن أصر { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } فيحملهم جهلهم على مخالفتك.