خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
١٠
قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
١١
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٢
قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٣
قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي
١٤
فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١٥
لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ
١٦
وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ
١٧
ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٨
-الزمر

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بلا ياء عند الأكثر { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أي أطاعوا الله في الدنيا. و «في» يتعلق بـ { أَحْسَنُواْ } لا بـ { حَسَنَةٌ }، معناه الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة أي حسنة لا توصف. وقد علقه السدي بـ { حَسَنَةٌ } ففسر الحسنة بالصحة والعافية. ومعنى { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } أي لا عذر للمفرطين في الإحسان البتة حتى إن اعتلوا بأنهم لا يتمكنون في أوطانهم من التوفر على الإحسان. قيل لهم: فإن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة، فتحولوا إلى بلاد أخرى. واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحساناً إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ } على مفارقة أوطانهم وعشائرهم وعلى غيرها من تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير { أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يهتدي إليه حساب الحسّاب ولا يعرف. وهو حال من الأجر أي موفراً { قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ } بأن أعبد الله { مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينِ } أي أمرت بإخلاص الدين { وَأُمِرْتُ لأَِنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } وأمرت بذلك لأجل أن أكون أول المسلمين أي مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة، والمعنى أن الإخلاص له السُّبقة في الدين فمن أخلص كان سابقاً، فالأول أمر بالعبادة مع الإخلاص، والثاني بالسبق فلاختلاف جهتيهما نزلاً منزلة المختلفين، فصح عطف أحدهما على الآخر.

{ قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } لمن دعاك بالرجوع إلى دين آبائك، وذلك أن كفار قريش قالوا له عليه السلام: ألا تنظر إلى أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فنزلت رداً عليهم { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى } وهذه الآية إخبار بأنه يخص الله وحده بعبادته مخلصاً له دينه دون غيره، والأولى إخبار بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فالكلام أولاً واقع في نفس الفعل وإثباته، وثانياً فيما يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله:

{ فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } وهذا أمر تهديد. وقيل له عليه السلام: إن خالفت دين آبائك فقد خسرت فنزلت { قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ } أي الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } بإهلاكها في النار { وَأَهْلِيهِمْ } أي وخسروا أهليهم { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لأنهم أضلوهم فصاروا إلى النار، ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله: { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } حيث صدر الجملة بحرف التنبيه ووسط الفصل بين المبتدأ والخبر وعرف الخسران ونعته بالمبين، وذلك لأنهم استبدلوا بالجنة ناراً وبالدرجات دركات { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ } أطباق { مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } أطباق من النار وهي ظلل لآخرين أي النار محيطة بهم { ذٰلِكَ } الذي وصف من العذاب أو ذلك الظلل { يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } ليؤمنوا به ويجتنبوا مناهيه { يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي خوّفهم بالنار.

ثم حذرهم نفسه { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ } الشياطين «فعلوت» من الطغيان كالملكوت والرحموت إلا أن فيها قلباً بتقديم اللام على العين، أطلقت على الشيطان أو الشياطين لكون الطاغوت مصدراً، وفيها مبالغات وهي التسمية بالمصدر كأن عين الشيطان طغيان وأن البناء بناء مبالغة، فإن الرحموت الرحمة الواسعة، والملكوت الملك المبسوط والقلب وهو للاختصاص، إذ لا تطلق على غير الشيطان والمراد بها ههنا الجمع وقريء { الطواغيت } { أَن يَعْبُدُوهَا } بدل الاشتمال من الطاغوت أي عبادتها { وَأَنَابُواْ } رجعوا { إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } هي البشارة بالثواب تتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين وحين يحشرون { فَبَشِّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } هم الذين اجتنبوا أنابوا، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة فوضع الظاهر موضع الضمير أراد أن يكونوا نقاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران ـ واجب وندب ـ اختاروا الواجب، وكذا المباح والندب حراصاً على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثواباً، أو يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن، أو يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو ونحو ذلك، أو يستمعون الحديث مع القوم فيه محاسن ومساوىء فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } أي المنتفعون بعقولهم.