خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٠٠
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً
١٠١
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
١٠٢
فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً
١٠٣
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٠٤
-النساء

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ فَأُوْلَـئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } و «عسى» وإن كان للإطماع فهو من الله واجب لأن الكريم إذا أطمع أنجز. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } لعباده قبل أن يخلقهم.

{ وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى ٱلأرْضِ مُرَاغَماً } مهاجراً وطريقاً يراغم بسلوكه قومه أي يفارقهم على رغم أنوفهم، والرغم: الذل والهوان، وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب. يقال راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك { كَثِيراً وَسَعَةً } في الرزق أو في إظهار الدين أو في الصدر لتبدل الخوف بالأمن { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً } حال من الضمير في «يخرج» { إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } إلى حيث أمر الله ورسوله { ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } قبل بلوغه مهاجره وهو عطف على «يخرج» { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي حصل له الأجر بوعد الله وهو تأكيد للوعد فلا شيء يجـب على الله لأحد من خلقه. { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } قالوا: كل هجرة لطلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة أو زهداً أو ابتغاء رزق طيب فهي هجرة إلى الله، ورسوله، وإن أدركه الموت في طريقه فقد وقع أجره على الله.

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } سافرتم فيها، فالضرب في الأرض هو السفر { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } حرج { أَن تَقْصُرُواْ } في أن تقصروا { مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } من أعداد ركعات الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين، وظاهر الآية يقتضي أن القصر رخصة في السفر والإكمال عزيمة كما قال الشافعيرحمه الله ، لأن «لا جناح» يستعمل في موضع التخفيف والرخصة لا في موضع العزيمة وقلنا: القصر عزيمة غير رخصة ولا يجوز الإكمال لقول عمر رضي الله عنه: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم. وأما الآية فكأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } إن خشيتم أن يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو أخذ، والخوف شرط جواز القصر عند الخوارج بظاهر النص، وعند الجمهور ليس بشرط لما روي عن يعلى بن أمية أنه قال لعمر: ما بالنا نقصر وقد أمنّا؟ فقال: عجبت مما تعجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" وفيه دليل على أنه لا يجوز الإكمال في السفر لأن التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض لا يحتمل الرد، وإن كان المتصدق ممن لا تلزم طاعته كولي القصاص إذا عفا فمن تلزم طاعته أولى،، ولأن حالهم حين نزول الآية كذلك فنزلت على وفق الحال وهو كقوله: { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [النور: 33]. دليله قراءة عبد الله «من الصلاة أن يفتنكم» أي لئلا يفتنكم على أن المراد بالآية قصر الأحوال وهو أن يومىء على الدابة عند الخوف، أو يخفف القراءة والركوع والسجود والتسبيح كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما. { إِنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } فتحرزوا عنهم.

{ وَإِذَا كُنتَ } يا محمد { فِيهِمْ } في أصحابك { فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ } فأردت أن تقيم الصلاة بهم وبظاهره تعلق أبو يوسفرحمه الله فلا يرى صلاة الخوف بعده عليه السلام وقال: الأئمة نواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عصر فكان الخطاب له متناولاً لكل إمام كقوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ } [التوبة: 103]. دليله فعل الصحابة رضي الله عنهم بعده عليه السلام { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ } فاجـعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم وتقوم طائفة تجاه العدو { وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ } أي الذين تجاه العدو. عن ابن عباس رضي الله عنهما: وإن كان المراد به المصلين فقالوا: يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما { فَإِذَا سَجَدُواْ } أي قيدوا ركعتهم بسجدتين فالسجود على ظاهره عندنا وعند مالك بمعنى الصلاة { فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ } أي إذا صلت هذه الطائفة التي معك ركعة فليرجـعوا ليقفوا بإزاء العدو { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ } في موضع رفع صفة لـ «طائفة» { فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ } أي ولتحضر الطائفة الواقفة بإزاء العدو فليصلوا معك الركعة الثانية { وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ } ما يتحرزون به من العدو كالدرع ونحوه { وَأَسْلِحَتَهُمْ } جمع سلاح وهو ما يقاتل به. وأخذ السلاح شرط عند الشافعيرحمه الله ، وعندنا مستحب، وكيفية صلاة الخوف معروفة { وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ } أي تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وٰحِدَةً } فيشدون عليكم شدة واحدة { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ } في أن تضعوا { أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } رخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو { إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أخبر أنه يهين عدوهم لتقوى قلوبهم، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لتوقع غلبتهم عليهم وإنما هو تعبد من الله تعالى.

{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ } فرغتم منها { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } أي دوموا على ذكر الله في جميع الأحوال، أو فإذا أردتم أداء الصلاة فصلوا قياماً إن قدرتم عليه، وقعوداً إن عجزتم عن القيام، ومضطجـعين إن عجزتم عن القعود { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ } سكنتم بزوال الخوف { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } فأتموها بطائفة واحدة أو إذا أقمتم فأتموا ولا تقصروا، أو إذا اطمأننتم بالصحة فأتموا القيام والركوع والسجود { إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } مكتوباً محدوداً بأوقات معلومة.{ وَلاَ تَهِنُواْ } ولا تضعفوا ولا تتوانوا { فِى ٱبْتِغَاء ٱلْقَوْمِ } في طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم. ثم ألزمهم الحجة بقوله { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } أي ليس ما تجدون من الألم بالجرح والقتل مختصاً بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم، يصيبهم كما يصيبكم، ثم إنهم يصبرون عليه فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أجدر منهم بالصبر لأنكم ترجون من الله ما لا يرجون من إظهار دينكم على سائر الأديان، ومن الثواب العظيم في الآخرة { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بما يجـد المؤمنون من الألم { حَكِيماً } في تدبير أمورهم.

روي أن طعمة بن أبريق ـ أحد بني ظفر ـ سرق درعاً من جار له اسمه قتادة بن النعمان في جراب دقيق، فجـعل الدقيق ينتثر من خرق فيه وخبأها عند زيد بن السمين ـ رجـل من اليهود ـ فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال: دفعها إليّ طعمة وشهد له ناس من اليهود. فقالت بنو ظفر: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرىء اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل فنزل: