خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٦
وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٧
يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٨
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٩
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١٠
يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١١
-المائدة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ } [النحل: 98] أي إذا أردت أن تقرأ القرآن، فعبر عن إرادة الفعل بالفعل لأن الفعل مسبب عن الإرادة فأقيم المسبب مقام السبب لملابسة بينهما طلباً للإيجاز، ونحوه «كما تدين تدان» عبر عن الفعل الابتدائي الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه، وتقديره: وأنتم محدثون. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أو من النوم لأنه دليل الحدث: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة يتوضأون لكل صلاة. وقيل: كان الوضوء لكل صلاة واجباً أول ما فرض ثم نسخ { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } «إلى» تفيد معنى الغاية مطلقاً، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل فما فيه دليل على الخروج { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [البقرة: 280] لأن الإعسار علة الإنظار وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظراً في الحالتين معسراً وموسراً. وكذلك { أتموا الصيام إلى الليل } [البقرة: 187] لو دخل الليل لوجب الوصال. ومما فيه دليل على الدخول قولك «حفظت القرآن من أوله إلى آخره» لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله، ومنه قوله تعالى: { مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } [الإسراء: 1] لوقوع العلم بأنه عليه السلام لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله، وقوله «إلى المرافق» لا دليل فيه على أحد الأمرين فأخذ الجمهور بالاحتياط، فحكموا بدخولها في الغسل، وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدير الماء على مرفقيه { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } المراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه؛ فأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب، والشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح، وأخذنا ببيان النبي عليه السلام وهو ما روي أنه مسح على ناصيته وقدرت الناصية بربع الرأس { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } بالنصب: شامي ونافع وعلي وحفص. والمعنى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم على التقديم والتأخير. غيرهم بالجر بالعطف على الرؤوس لأن الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة، تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المنهي عنه فعطفت على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. وقيل: «إلى الكعبين» فجيء بالغاية إماطة لظن ظانٍ يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة، وقال في جامع العلوم إنها مجرورة للجوار وقد صح أن النبي عليه السلام رأى قوماً يمسحون على أرجلهم فقال: "ويل للأعقاب من النار" وعن عطاء: والله ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على القدمين وإنما أمر بغسل هذه الأعضاء ليطهرها من الأوساخ التي تتصل بها لأنها تبدو كثيرا، والصلاة خدمة الله تعالى، والقيام بين يديه متطهراً من الأوساخ أقرب إلى التعظيم فكان أكمل في الخدمة كما في الشاهد إذا أراد أن يقوم بين يدي الملك، ولهذا قيل: إن الأولى أن يصلي الرجل في أحسن ثيابه، وإن الصلاة متعمماً أفضل من الصلاة مكشوف الرأس لما أن ذلك أبلغ في التعظيم { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ } فاغسلوا أبدانكم.

{ وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ } قال الرازي معناه وجاء حتى لا يلزم المريض والمسافر التيمم بلا حدث { مّن ٱلْغَآئِطِ } المكان المطمئن وهو كناية عن قضاء الحاجة { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاءَ } جامعتم { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءَ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } في باب الطهارة حتى لا يرخص لكم في التيمم { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } وليتم برخصه إنعامه عليكم بعزائمه { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } نعمته فيثيبكم { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } بالإسلام { وَمِيثَـٰقَهُ ٱلَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي عاقدكم به عقداً وثيقاً وهو الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره فقبلوا وقالوا سمعنا وأطعناه. وقيل: هو الميثاق ليلة العقبة وفي بيعة الرضوان { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في نقض الميثاق { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } بسرائر الصدور من الخير والشر وهو وعد ووعيد.

{ &# يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ } بالعدل { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ } عدي «يجرمنكم» بحرف الاستعلاء مضمناً معنى فعل يتعدى به كأنه قيل: ولا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } أي العدل أقرب إلى التقوى. نهاهم أوّلاً أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً وتشديداً، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله تعالى: «هو أقرب للتقوى» تعالى وإذا كان وجوب العدل مع الكفار بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيما أمر ونهى { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وعد ووعيد ولذا ذكر بعدها آية الوعد وهو قوله تعالى { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } «وعد» يتعدى إلى مفعولين: فالأول «الذين آمنوا»، والثاني محذوف استغني عنه بالجملة التي هي قوله { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } والوعيد وهو قوله { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتِنَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } أي لا يفارقونها.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني قريظة ومعه الشيخان ـ أبو بكر وعمر - والختنان يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين فقالوا: نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك، فأجلسوه في صفة وهموا بالفتك به، وعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه فأمسك الله يده ونزل جبريل فأخبره بذلك فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية. «إذ» ظرف للنعمة { أَن يَبْسُطُواْ } بأن يبسطوا { إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } بالقتل يقال بسط لسانه إليه إذا شتمه وبسط إليه يده إذا بطش به { وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوءِ } [الممتحنة: 2] ومعنى بسط اليد مدها إلى المبطوش به { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } فمنعها أن تمد إليكم { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } فإنه الكافي والدافع والمانع.