{وَلَوْ تَرَىٰ } حذف جوابه أي ولو ترى لشاهدت أمراً عظيماً {إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } أروها حتى يعاينوها أو حبسوا على الصراط فوق النار {فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ } إلى الدنيا تمنوا الرد الدنيا ليؤمنوا وتم تمنيهم ثم ابتدأوا بقوله {وَلاَ نُكَذِّبَ بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } واعدين الإيمان كأنهم قالوا: ونحن لا نكذب ونؤمن. {وَلاَ نُكَذِّبَ } {وَنَكُونَ } حمزة وعلي وحفص على جواب التمني بالواو وبإضمار «أن» ومعناه أن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين، وافقهما في {وَنَكُونَ } شامي {بَلْ} للإضراب عن الوفاء بما تمنوا {بَدَا لَهُمْ } ظهر لهم {مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ } من الناس {مِن قَبْلُ } في الدنيا من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم. وقيل: هو في المنافقين وأنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرونه، أو في أهل الكتاب وأنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ رُدُّواْ } إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار {لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } من الكفر {وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فيما وعدوا من أنفسهم لا يوفون به {وَقَالُواْ } عطف على {لَعَـٰدُواْ } أي ولو ردوا لكفروا ولقالوا {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة، أو على قوله {وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } أي وإنهم لقوم كاذبون في كل شيء وهم الذين قالوا إن إلا حياتنا الدنيا وهي كناية عن الحياة، أو هو ضمير القصة {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ }.
{وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه، أو وقفوا على جزاء ربهم {قَالَ } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه؟ فقيل: قال {أَلَيْسَ هَـٰذَا } أي البعث {بِٱلْحَقِّ } بالكائن الموجود وهذا تعيير لهم على التكذيب للبعث. وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث ما هو بحق {قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } أقروا و أكدوا الإقرار باليمين {قَالَ } الله تعالى {فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } بكفركم.
{قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱللَّهِ } ببلوغ الآخرة وما يتصل بها، أو هو مجرى على ظاهره لأن منكر البعث منكر للرؤية {حَتَّىٰ } غاية لـ {كَذَّبُواْ } لا لـ {خسر} لأن خسرانهم لا غاية له {إِذَا جَاءتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ } أي القيامة لأن مدة تأخرها مع تابد ما بعدها كساعة واحدة {بَغْتَةً } فجأة وانتصابها على الحال يعني باغتة، أو على المصدر كأنه قيل: بغتتهم الساعة بغتة وهي ورود الشيء على صاحبه من غير علمه بوقته {قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا} نداء تفجع معناه ياحسرة احضري فهذا أوانك { عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا } قصرنا {فِيهَا } في الحياة الدنيا أو في الساعة أي قصرنا في شأنها وفي الإيمان بها {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } آثامهم {عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } خص الظهر لأن المعهود حمل الأثقال على الظهور كما عهد الكسب بالأيدي، وهو مجاز عن اللزوم على وجه لا يفارقهم. وقيل: إن الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحاً فيقول: أنا عملك السيء فطالما ركبتني في الدنيا وأنا أركبك اليوم {أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ } بئس شيئاً يحملونه، وأفاد «ألا» تعظيم ما يذكر بعده {وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } جواب لقولهم {إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } واللعب ترك ما ينفع بما لا ينفع، واللهو الميل عن الجد إلى الهزل. قيل: ما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو. وقيل: ما أعمال الحياة الدنيا إلا لعب ولهو لا تعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة {وَلَلدَّارُ } مبتدأ {ٱلآخِرَةُ } صفتها: {وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } بالإضافة: شامي. أي ولدار الساعة الآخرة لأن الشيء لا يضاف إلى صفته. وخبر المبتدأ على القراءتين {خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } وفيه دليل على أن ما سوى أعمال المتقين لعب ولهو {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } بالتاء: مدني وحفص.
ولما قال أبو جهل: ما نكذبك يا محمد وإنك عندنا لمصدق وإنما نكذب ما جئتنا به نزل {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ } الهاء ضمير الشأن {لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } لا ينسبونك إلى الكذب. وبالتخفيف: نافع وعلى من أكذبه إذا وجده كاذباً {وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } من أقامة الظاهر مقام المضمر، وفيه دلالة على أنهم ظلموا في جحودهم والتاء يتعلق بـ {يَجْحَدُونَ } أو بـ {ٱلْظَّـٰلِمِينَ } كقوله {فَظَلَمُواْ بِهَا } [الاعراف: 103] والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله، لأن تكذيب الرسول تكذيب المرسل. {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل على أن قوله {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ } ليس بنفي لتكذيبه وإنما هو من قولك لغلامك إذا أهانه بعض الناس «إنهم لم يهينوك وإنما أهانوني» {فَصَبَرُواْ } والصبر حبس النفس على المكروه {عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ } على تكذيبهم وإيذائهم {حَتَّىٰ أَتَـٰهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِ } لمواعيده من قوله
{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [الصافات: 171، 172] { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [غافر: 51] {وَلَقدْ جَآءكَ مِن نَّبَإِىْ ٱلْمُرْسَلِينَ } بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين، وأجاز الأخفش أن تكون «من» زائدة والفاعل {نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } وسيبويه لا يجيز زيادتها في الواجب كان يكبر على النبي صلى الله عليه وسلم كفر قومه وإعراضهم ويحب مجيء الآيات ليسلموا فنزل {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ } عظم وشق {إِعْرَاضُهُمْ } عن الإسلام {فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً } منفذاً تنفيذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها {فِى ٱلأَرْضِ } صفة لـ {نَفَقاً } {أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ } منها {بِـئَايَةٍ } فافعل، وهو جواب {فَإِن ٱسْتَطَعْتَ } و {إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } وجوابها جواب {وَإِن كَانَ كَبُرَ } والمعنى إنك لا تستطيع ذلك، والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم {وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } لجعلهم بحيث يختارون الهدى، ولكن لما علم أنهم يختارون الكفر لم يشأ أن يجمعهم على ذلك كذا قاله الشيخ أبو منصوررحمه الله {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } من الذين يجهلون ذلك. ثم أخبر أن حرصه على هدايتهم لا ينفع لعدم سمعهم كالموتى بقوله: