خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ
١٩٧
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
١٩٨
خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ
١٩٩
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٠٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
٢٠١
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ
٢٠٢
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٠٣
وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٢٠٤
وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ
٢٠٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ
٢٠٦
-الأعراف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ } من دون الله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه { وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } المرئي.

{ خُذِ ٱلْعَفْوَ } هو ضد الجهد أي ما عفا لك من أخلاق الناس وأفعالهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا كقوله عليه السلام "يسروا ولا تعسروا" { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } بالمعروف والجميل من الأفعال، أو هو كل خصلة يرتضيها العقل ويقبلها الشرع { وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } ولا تكافيء السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عليهم، وفسرها جبريل عليه السلام بقوله: صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك. وعن الصادق أمر الله نبيه عليه السلام بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ } وإما ينخسنك منه نخس أي بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرت به { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } ولا تطعه. والنزغ: والنخس كأنه ينخس الناس حين يغريهم على المعاصي. وجعل النزع نازغاً كما قيل جد جده، أو أريد بنزغ الشيطان اعتراء الغضب كقول أبي بكر رضي الله عنه: إن لي شيطاناً يعتريني { إنّه سميعٌ } لنزغه { عَلِيمٌ } بدفعه { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } { طيف } مكي وبصري وعليّ أي لمة منه مصدر من قولهم «طاف به الخيال يطيف طيفاً». وعن أبي عمرو: هما واحد وهي الوسوسة. وهذا تأكيد لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان، وأن عادة المتقين إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته { تَذَكَّرُواْ } ما أمر الله به ونهى عنه { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } فأبصروا السداد ودفعوا وسوسته. وحقيقته أن يفروا منه إلى الله فيزدادوا بصيرة من الله بالله { وَإِخْوٰنِهِمْ } وأما إخوان الشياطين من شياطين الإنس فإن الشياطين { يَمُدُّونَهُمْ فِى ٱلْغَىِّ } أي يكونون مدداً لهم فيه ويعضدونهم { يَمُدُّونَهُمْ } من الإمداد: مدني { ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا، وجاز أن يراد بالإخوان الشياطين ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين والأول أوجه، لأن إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا. وإنما جمع الضمير في { إِخْوٰنَهُمْ } والشيطان مفرد لأن المراد به الجنس.

{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِـئَايَةٍ } مقترحة { قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا } هلا اخترتها أي اختلقتها كما اختلقت ما قبلها { قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى } ولست بمقترح لها { هَـٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } هذا القرآن دلائل تبصركم وجوه الحق { وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } به.

{ وَإِذَا قُرِىء ٱلْقُرْءانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في الصلاة وغيرها. وقيل: معناه إذا تلا عليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له. وجمهور الصحابة رضي الله عنهم على أنه في استماع المؤتم. وقيل: في استماع الخطبة. وقيل: فيهما وهو الأصح { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك { تَضَرُّعًا وَخِيفَةً } متضرعاً وخائفاً { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } ومتكلماً كلاماً دون الجهر لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكر { بِٱلْغُدُوّ وَٱلأَصَالِ } لفضل هذين الوقتين. وقيل: المراد إدامة الذكر باستقامة الفكر. ومعنى بالغدو بأوقات الغدو وهي الغدوات، والآصال جمع أصل والأصل جمع أصيل وهو العشي { وَلاَ تَكُنْ مّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ } مكانة ومنزلة لا مكاناً ومنزلاً يعني الملائكة { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } لا يتعظمون عنها { وَيُسَبّحُونَهُ } وينزهونه عما لا يليق به { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره، والله أعلم.