{إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَئْذِنُونَكَ} في التخلف { وَهُمْ أَغْنِيَاءُ } وقوله {رَضُواْ } استئناف كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل: رضوا {بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوٰلِفِ } أي بالانتظام في جملة الخوالف {وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ } يقيمون لأنفسهم عذراً باطلاً {إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } من هذه السفرة {قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ } بالباطل {لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } لن نصدقكم وهو علة للنهي عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به {قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } علة لانتفاء تصديقهم لأنه تعالى إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم وما في ضمائرهم لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم {وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } أتنيبون أم تثبتون على كفركم {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي تردون إليه وهو عالم كل سر وعلانية {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فيجازيكم على حسب ذلك.
{سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ } لتتركوهم ولا توبخوهم {فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } فأعطوهم طلبتهم {إِنَّهُمْ رِجْسٌ } تعليل لترك معاتبتهم أي أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم لأنهم أرجاسٍ لا سبيل إلى تطهيرهم {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمَ } ومصيرهم النار يعني وكفتهم النار عتاباً وتوبيخاً فلا تتكلفوا عتابهم {جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي يجزون جزاء كسبهم {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } أي غرضهم بالحلف بالله طلب رضاكم لينفعهم ذلك في دنياهم {فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطاً عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها، وإنما قيل ذلك لئلا يتوهم أن رضا المؤمنين يقتضي رضا الله عنهم.
{ٱلأَعْرَابُ } أهل البدو {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم وبعدهم عن العلم والعلماء {وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ } وأحق بأن لا يعلموا {حُدُودَ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } يعني حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام ومنه قوله عليه السلام:
"إن الجفاء والقسوة في الفدادين" يعني الأكرة لأنهم يفدون أي يصيحون في حروثهم والفديد الصياح {وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بأحوالهم {حَكِيمٌ } في إمهالهم {وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } أي يتصدق {مَغْرَمًا } غرامة وخسراناً لأنه لا ينفق إلا تقيّة من المسلمين ورياء لا لوجه الله وابتاء المثوبة عنده {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَ } أي دوائر الزمان وتبدل الأحوال بدور الأيام لتذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ ٱلسَّوْء } أي عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعون وقوعها في المسلمين. {ٱلسَّوْء } مكي وأبو عمرو وهو العذاب، و {ٱلسَّوْء } بالفتح ذم للدائرة كقولك «رجل سوء» في مقابلة قولك «رجل صدق» {وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة {عَلِيمٌ } بما يضمرونه. {وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } في الجهاد والصدقات {قُرُبَـٰتٍ } أسباباً للقربة {عَندَ ٱللَّهِ } وهو مفعول ثان لـ {يَتَّخِذُ } {وَصَلَوٰتِ ٱلرَّسُولِ } أي دعاءه لأنه عليه السلام كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم كقوله «اللهم صل على آل أبي أوفى» {أَلا إِنَّهَا } أي النفقة أو صلوات الرسول {قُرْبَةٌ لَّهُمْ } {قُرْبَةٌ } نافع. وهذا شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات، وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفي التنبيه، والتحقيق المؤذنين بثبات الأمر وتمكنه، وكذلك {سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } أي جنته وما في السين من تحقيق الوعد، وما أدل هذا الكلام على رضا الله من المتصدقين، وأن الصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها {إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يستر عيب المخل {رَّحِيمٌ } يقبل جهد المقل {وَٱلسَّـٰبِقُونَ } مبتدأ {ٱلأَوَّلُونَ } صفة لهم {مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ } تبيين لهم وهم الذين صلوا إلى القبلتين، أو الذين شهدوا بدراً أو بيعة الرضوان {وَٱلأَنصَـٰرِ } عطف على {الْمُهَـٰجِرِينَ } أي ومن الأنصار وهم أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين {وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } من المهاجرين والأنصار فكانوا سائر الصحابة. وقيل: هم الذين اتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة والخبر {رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } بأعمالهم الحسنة {وَرَضُواْ عَنْهُ } بما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية {وَأَعَدَّ لَهُمْ } عطف على {رَضِيَ } {جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } {مِن تَحْتِهَا }: مكي {خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ}.