خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ
٢٩
هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٣١
فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
٣٢
-يونس

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين }. والمعنى قد علم الله وكفى به شهيداً أما ما علمنا أنكم كنتم تعبدوننا وما كنا عن عبادتكم إيانا من دون الله إلا غافلين ما نشعر بذلك أما قوله سبحانه وتعالى: { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } فهو كالتتمة للآية المتقدمة والمعنى في ذلك المقام أو ذلك الموقف أو ذلك الوقت على معنى استعارة إطلاق اسم المكان على الزمان وفي قوله تبلوا قراءات قرئ بتاءين ولها معنيان أحدهما أنه من تلاه إذا تبعه أي تبع كل نفس ما أسلفت لأن العمل هو الذي يهدي النفس إلى الثواب أو العقاب.
الثاني: أن يكون من التلاوة والمعنى أن كل نفس تقرأ صحيفة عملها من خير أو شر. وقرئ: تبلو بالتاء المثناة والباء الموحدة ومعناه تخبر وتعلم. والبلو: الاختبار ومعناه: اختبارها ما أسلفت يعني: أنه إن قدم خيراً أو شراً قدم عليه وجوزي به { وردوا إلى الله مولاهم الحق } الرد: عبارة عن صرف الشيء إلى الموضع الذي جاء منه. والمعنى: وردوا إلى ما ظهر لهم من الله الذي هو مالكهم ومتولي أمرهم.
فإن قلت: قد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى
{ وأن الكافرين لا مولى لهم } [محمد: 11] فما الفرق؟
قلت: المولى في اللغة يطلق على المالك ويطلق على الناصر، فمعنى المولى هنا المالك ومعنى المولى هناك الناصر فحصل الفرق بين الآيتين { وضل عنهم ما كانوا يفترون } يعني وبطل وذهب ما كانوا يكذبون فيه في الدنيا وهو قولهم إن هذه الأصنام تشفع لنا.
قوله عز وجل: { قل من يرزقكم من السماء والأرض } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من يرزقكم من السماء يعني المطر والأرض يعني النبات { أم من يملك السمع والأبصار } يعني ومن أعطاكم هذه الحواس التي تسمعون بها وتبصرون بها { ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } يعني أنه تعالى يخرج الإنسان حياً من النطفة وهي ميتة وكذلك الطير من البيضة وكذلك يخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي ويخرج البيضة الميتة من الطائر الحي. وقيل: معناه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والقول الأول أقرب إلى الحقيقة { ومن يدبر الأمر } يعني أن مدبر أمر السموات ومن فيها ومدبر أمر الأرض وما فيها هو الله تعالى وذلك قوله { فسيقولون الله } يعنى أنهم يعترفون أن فاعل هذه الأشياء هو الله وإذا كانوا يقرون بذلك { فقل } أي قل لهم يا محمد { أفلا تتقون } يعني: أفلا تخافون عقابه حيث تعبدون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على شيء من هذه الأمور { فذلكم الله ربكم الحق } يعني: فذلكم الذي يفعل هذه الأشياء ويقدر عليها هو الله ربكم الحق الذي يستحق العبادة لا هذه الأصنام { فماذا بعد الحق إلا الضلال } يعني: إذا ثبت بهذه البراهين الواضحة والدلائل القطعية أن الله هو الحق وجب أن يكون ما سواه ضلالاً وباطلاً { فأنى تصرفون } يعني: إذا عرفتم هذا الأمر الظاهر الواضح فكيف تستخيرون العدول عن الحق إلى الضلال الباطل.