خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٥١
وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ
٥٢
قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
٥٣
إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
٥٤
مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ
٥٥
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٦
-هود

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ يا قوم لا أسألكم عليه } يعني على تبليغ الرسالة { أجراً } يعني جعلاً آخذه منكم { إن أجري } يعني ما ثوابي { إلا على الذي فطرني } يعني: خلقني فإنه هو الذي رزقني في الدنيا ويثيبني في الآخرة { أفلا تعقلون } يعني فتتعظون { ويا قوم استغفروا ربكم } أي آمنوا به فالاستغفار هنا بمعنى الإيمان لأنه هو المطلوب أولاً { ثم توبوا إليه } يعني من شرككم وعبادتكم غيره ومن سالف ذنوبكم { يرسل السماء عليكم مدراراً } يعني: ينزل المطر عليكم متتابعاً مرة بعد مرة في أوقات الحاجة إليه وذلك أن بلادهم كانت مخصبة كثيرة الخير والنعم فأمسك الله عنهم المطر مدة ثلاث سنين فأجدبت بلادهم وقحطت بسبب كفرهم فأخبرهم هود عليه السلام أنهم إن آمنوا بالله وصدقوه أرسل الله إليهم المطر فأحيا به بلادهم كما كانت أول مرة { ويزدكم قوة إلى قوتكم } يعني شدة مع شدتكم، وقيل: معناه أنكم إن آمنتم يقوِّكم بالأموال والأولاد وذلك أنه سبحانه وتعالى أعقم أرحام نسائهم فلم تلد فقال لهم هود عليه السلام إن آمنتم أرسل الله المطر فتزدادون مالاً ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت عليه فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد وقيل: تزدادون قوة في الدين إلى قوة الأبدان { ولا تتولوا مجرمين } يعني ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حال كونكم مشركين { قالوا يا هود ما جئتنا ببينة } أي ببرهان وحجة واضحة على صحة ما تقول { وما نحن بتاركي ألهتنا عن قولك } يعني وما نترك عبادة آلهتنا لأجل قولك { وما نحن لك بمؤمنين } يعني بمصدقين { إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } يعني إنك يا هود لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بخبل وجنون لأنك سببتهم فانتقموا منك بذلك ولا نحمل أمرك إلا على هذا { قال } يعني قال هود مجيباً لهم { إني أشهد الله } يعني على نفسي واشهدوا يعني واشهدوا أنتم أيضاً علي: { أني بريء مما تشركون من دونه } يعني هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها { فكيدوني جميعاً } يعني احتالوا في كيدي وضري أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضر ولا تنفع { ثم لا تنظرون } يعني ثم لا تمهلون وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام وذلك أنه كان وحيداً في قومه فما قال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت إلا لثقته بالله عز وجل وتوكله عليه وهو قوله تعالى: { إني توكلت على الله ربي وربكم } يعني أنه فوض أمره إلى الله واعتمد عليه { ما من دابة } يعني تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان لأنهم يدبون على الأرض { إلا هو آخذ بناصيتها } يعني أنه تعالى هو مالكها والقادر عليها وهو يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، والناصية مقدم الرأس وسمي الشعر الذي عليه ناصية للمجاورة قيل: إنما خصَّ الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك كثيراً في كلامهم فإذا وصفوا إنساناً بالذلة مع غيره يقولون ناصية فلان بيد فلان وكانوا إذا أسروا أسيراً وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليمنوا عليه ويعتدوا بذلك فخراً عليه فخاطبهم الله سبحانه وتعالى بما يعرفون من كلامهم { إن ربي على صراط مستقيم } يعني إن ربي وإن كان قادراً وأنتم في قبضته كالعبد الذليل فإنه سبحانه وتعالى لا يظلمكم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف والعدل فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه، وقيل معناه أن دين ربي هو الصراط المستقيم وقيل فيه إضمار تقديره إن ربي يحملكم على صراط مستقيم.