خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ
١٠١
-يوسف

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ رب } أي يا رب { قد آتيتني من الملك } يعني من ملك مصر ومن هنا للتبعيض لأنه لم يؤت ملك مصر كله بل كان فوقه ملك آخر والملك عبارة عن الاتساع في المقدور لمن له السياسة والتدبير { وعلمتني من تأويل الأحاديث } يعني تعبير الرؤيا { فاطر السموات والأرض } يعني خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق.
وأصل الفطر الشق يقال فطر ناب البعير إذا شق وظهر وفطر الله الخلق أوجده وأبدعه { أنت وليي } يعني معيني ومتولي أمري { في الدنيا والآخرة توفني مسلماً } أي اقبضني إليك مسلماً.
واختلفوا هل هو طلب للوفاة في الحال أم لا على قولين:
أحدهما: أنه سأل الله الوفاة في الحال، قال قتادة: لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف قال أصحاب هذا القول وإنه لم يأت عليه أسبوع حتى توفي.
والقول الثاني: أنه سأل الوفاة على الإسلام ولم يتمن الموت في الحال قال الحسن إنه عاش بعد هذه سنين كثيرة فعلى هذا القول يكون معنى الآية توفني إذا توفيتني على الإسلام فهو طلب لأن يجعل الله وفاته على الإسلام وليس في اللفظ ما يدل على أنه طلب الوفاة في الحال، قال بعض العلماء وكلا القولين محتمل لأن اللفظ صالح للأمرين ولا يبعد من الرجل العاقل الكامل أن يتمنى الموت لعلمه أن الدنيا ولذاتها فانية زائلة سريعة الذهاب وأن نعيم الآخرة باق دائم لا نفاذ له ولا زوال ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه وسلم
"لا يتمن أحدكم الموت لضر نزل به" فإن تمني الموت عند وجود الضر ونزول البلاء مكروه والصبر عليه أولى وقوله: { وألحقني بالصالحين } أراد به بدرجة آبائه وهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام قال علماء التاريخ عاش يوسف مائة وعشرين سنة وفي التوراة مائة وعشر سنين وولد ليوسف من امرأة العزيز ثلاثة أولاد أفراثيم وميشا ورحمة امرأة أيوب وقيل عاش بعد أبيه ستين سنة وقيل أكثر.
ولما مات يوسف عليه الصلاة والسلام دفنوه في النيل في صندوق من رخام وقيل من حجارة المرمر وذلك أنه لما مات يوسف تشاحن الناس فيه فطلب كل أهل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته حتى هموا أن يقتتلوا ثم رأوا أن يدفنوه في النيل بحيث يجري الماء عليه ويتفرق عنه وتصل بركته إلى جميعهم وقال عكرمة إنه دفن في الجانب الأيمن من النيل فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر فنقل إلى الجانب الأيسر فأخصب وأجدب الجانب الأيمن فدفنوه في وسط النيل وقدروه بسلسلة فأخصب الجانبان فبقي إلى أن أخرجه موسى عليه الصلاة والسلام وحمله معه حتى دفنه بقرب آبائه بالشام في الأرض المقدسة.