خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣١
قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣٢
قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٣٣
قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
٣٤
وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٣٥
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
٣٦
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ
٣٧
إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ
٣٨
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ
٤١
-الحجر

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين } يعني مع الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم فسجدوا { قال } يعني قال الله { يا أبليس مالك ألا تكون مع الساجدين قال } يعني إبليس { لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون } أراد إبليس أنه أفضل من آدم لأن آدم طيني الأصل وإبليس ناري الأصل. والنار أفضل من الطين فيكون إبليس في قياسه أفضل من آدم، ولم يدرِ الخبيث أن الفضل فيما فضله الله تعالى { قال فاخرج منها } يعني من الجنة وقيل من السماء { فإنك رجيم } أي طريد { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } قيل: إن أهل السموات يلعنون إبليس كما يلعنه أهل الأرض، فهو ملعون في السموات والأرض فإن قلت: إن حرف إلى لانتهاء الغاية فهل ينقطع اللعن عنه يوم الدين الذي هو يوم القيامة؟ قلت: لا بل يزداد عذاباً إلى اللعنة التي عليه كأنه قال تعالى، وإن عليك اللعنة فقط إلى يوم الدين. ثم تزداد معها بعد ذلك عذاباً دائماً مستمراً لا انقطاع له { قال رب فأنظرني } يعني أخّرني { إلى يوم يبعثون } يعني يوم القيامة وأراد بهذا السؤال أنه لا يموت أبداً لأنه أذا أمهل إلى يوم القيامة، ويوم القيامة لا يموت فيه أحد لزم من ذلك أنه لا يموت أبداً، فلهذا السبب سأل الإنظار إلى يوم يبعثون، فأجابه الله سبحانه وتعالى بقوله: { قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم } يعني الوقت الذي يموت فيه جميع الخلائق وهو النفخة الأولى فيقال: إن مدة موت إبليس أربعون سنة، وهو ما بين النفختين، ولم تكن إجابة الله تعالى إياه في الإمهال إكراماً له بل كان ذلك الإمهال زيادة له في بلائه وشقائه وعذابه. وإنما سمي يوم القيامة بيوم الوقت المعلوم، لأن ذلك اليوم لا يعلمه أحد إلا الله تعالى فهو معلوم عنده وقيل: إن جميع الخلائق يموتون فيه فهو معلوم بهذا الاعتبار وقيل لما سأل إبليس الإنظار إلى يوم يبعثون, أجابه الله بقوله: فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يعني اليوم الذي عينت وسألت الإنظار إليه { قال رب بما أغويتني } الباء للقسم في قوله بما وما ومصدرية، وجواب القسم { لأزينن } والمعنى فبإغوائك إياي لأزينن لهم في الأرض، وقيل هي باء السبب. يعني بسبب كوني غاوياً لأزينن { لهم في الأرض } يعني لأزينن لهم حب الدنيا ومعاصيك { ولأغوينهم أجمعين } يعني بإلقاء الوسوسة في قلوبهم، وذلك أن إبليس لما علم أنه يموت على الكفر غير مغفور لهم حرص على إضلال الخلق بالكفر، وإغوائهم ثم استثنى فقال { إلا عبادك منهم المخلصين } يعني المؤمنين الذين أخلصوا لك التوحيد والطاعة والعبادة، ومن فتح اللام من المخلصين يكون المعنى إلا من أخلصته واصطفيته لتوحيدك وعبادتك. وإنما استثنى إبليس المخلصين, لأنه علم أن كيده ووسوسته لا تعمل فيهم، ولا يقبلون منه وحقيقة الإخلاص فعل الشيء خالصاً لله عن شائبة الغير فكل من أتى بعمل من أعمال الطاعات فلا يخلو، إما أن مراده بتلك الطاعات وجه الله فقط، أو غير الله أو مجموع الأمرين. أما ما كان لله تعالى فهو الخالص المقبول، وأما ما كان لغير الله فهو الباطل المردود، وأما من كان مراده مجموع الأمرين فإن ترجح جانب الله تعالى كان من المخلصين الناجحين, وإن ترجح الجانب الآخر كان من الهالكين لأن المثل يقابله المثل فيبقى القدر الزائد، وإلى أي الجانبين رجح أخذ به { قال } يعني قال الله تبارك وتعالى { هذا صراط علي مستقيم } قال الحسن معناه هاذا صراط إلى مستقيم. وقال مجاهد: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج إلى شيء. وقال الأخفش: معناه على الدلالة على الصراط المستقيم. وقال الكسائي: هذا على طريق التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه: طريقك علي, أي لا تنفلت مني. وقيل: معناه علي استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية. وقيل: هذا عائد إلى الإخلاص والمعنى أن الإخلاص طريق علي وإلي يؤدي إلى كرامتي ورضواني.