خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٦
وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ
٧
ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ
٨
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٩
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ
١٠
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١١
يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٢
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ
١٣
-الحج

لباب التأويل في معاني التنزيل

فقال تعالى: { ذلك } أي ذكرنا ذلك لتعلموا { بأن الله هو الحق } وإن هذه الأشياء دالة على وجود الصانع { وأنّه يحيي الموتى } أي إنه إذا لم يستبعد منه إيجاد هذه الأشياء فكيف يستبعد منه إعادة الأموات { وأنه على كل شيء قدير } أي من كان كذلك كان قادراً على جميع الممكنات { وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور } أي ما ذكر من الدلائل لتعلموا أن الساعة كائنة لا شك فيها وأنّها حق وأنّ البعث بعد الموت حق قوله تعالى { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } يعني النضر بن الحرث { ولا هدى } أي ليس معه من الله بيان ولا رشاد { ولا كتاب منير } أي ولا كتاب من الله له نور { ثاني عطفه } أي لاوي جنبه وعنقه متبختراً لتكبّره معرضاً عما يدعى إليه من الحق تكبّراً { ليضل عن سبيل الله } أي عن دين الله { له في الدنيا خزي } أي عذاب وهوان وهو أنه قتل يوم بدر صبراً هو وعقبة بن أبي معيط { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك } أي يقال له ذلك { بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد } أي فيعذبهم بغير ذنب والله تعالى على أي وجه أراد يتصرف في عبده فحكمه عدل وهو غير ظالم.
قوله عزّ وجلّ { ومن الناس من يعبد الله على حرف } الآية نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهراً وولدت امرأته غلاماً وكثر ماله، قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيراً واطمأن له وإن صابه مرض وولدت امرأته جارية ولم تلد فرسه وقل ماله قال ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلاّ شراً فينقلب عن دينه وذلك هو الفتنة فأنزل الله تعالى { ومن الناس من يعبد الله على حرف } أي على شك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه نحو حرف الجبل والحائط الذي غير مستقر فقيل للشاك في الدين أنه يعبد الله على حرف لأنه لم يدخل فيه على الثبات والتمكن. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم على سكينة وطمأنينة ولو عبدوا الله بالشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف وقيل هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قبل { فإن أصابه خير } أي صحة في جسمه وسعة في معيشته { اطمأن به } أي رضي به وسكن إليه { وإن أصابته فتنة } أي بلاء في جسمه وضيق في معيشته { انقلب على وجهه } أي ارتد ورجع على عقبه إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر { خسر الدنيا والآخرة } أي خسر في الدنيا العز والكرامة ولا يبقى دمه وماله مصوناً.
وقيل خسر في الدنيا ما كان يؤمل والآخرة بذهاب الدين والخلود في النار { ذلك هو الخسران المبين } أي الظاهر { يدعو من دون الله ما لا يضره } إن عصاه ولم يعبده { وما لا ينفعه } أي إن أطاعه وعبده { ذلك هو الضلال البعيد } أي عن الحق والرشد { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } فإن قلت قد قال الله تعالى الآية الأولى { يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه } وقال في هذه الآية { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } وهذا تناقض فكيف الجمع بينهما. قلت إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم وذلك أنّ الله تعالى قال في الآية الأولى: ما لا يضره أي لا يضره ترك عبادته وقوله لمن ضره أي ضر عبادته وقيل: إنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ولكن عبادتها سبب الضرر وذلك يكفي في إضافة الضرر إليها وقيل: إن الله تعالى سفه الكافر حيث عبد جماداً لا يضر ولا ينفع وهو يعتقد بجهله وضلاله أنه ينتفع به حين يستشفع وقيل الآية في الرؤساء وهم الذين كانوا يفزعون إليهم لأنه يصح منهم أن يضروا وينفعوا وحجة هذا القول أن الله تعالى بين في الآية الأولى أنّ الأوثان لا تضر ولا تنفع وهذه الآية تقتضي كون المذكور فيها ضاراً نافعاً، فلو كان المذكور في هذه الأوثان لزم التناقض فثبت أنهم الرؤساء بدليل قوله { لبئس المولى ولبئس العشير } أي الناصر والمصاحب المعاشر.