خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٦
ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ
٧
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ
٨
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٩
وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ
١٠
قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١١
وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
١٢
وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١٣
فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٤
-السجدة

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ ذلك عالم الغيب والشهادة } يعني الذي صنع ما ذكر من خلق السموات والأرض هو عالم الغيب والشهادة أي ما غاب عن خلقه لا تخفى عليه خافية والشهادة بمعنى ما حضر وظهر { العزيز } أي الممتنع المنتقم من أعدائه { الرحيم } بأوليائه وأهل طاعته. قوله تعالى { الذي أحسن كل شيء خلقه } قال ابن عباس أتقنه وأحكمه وقيل علم كيف يخلق كل شيء وقيل خلق كل حيوان على صورة لم يخلق البعض على صورة البعض فكل حيوان كامل في صورته حسن في شكله وكل عضو من أعضائه مقدر على ما يصلح به معاشه وقيل معناه ألهم خلقه ما يحتاجون إليه وعلمهم إياه. وقيل معناه أحسن إلى كل خلقه { وبدأ خلق الإنسان من طين } يعني آدم { ثم جعله نسله } يعني ذريته { من سلالة } أي من نطفة تنسل من الإنسان { من ماء مهين } أي ضعيف { ثم سواه } أي سوى خلقه { ونفخ فيه من روحه } أضاف إليه الروح إضافة تشريف كبيت الله وناقة الله ثم ذكر ما يترتب على نفخ الروح في الجسد فقال { وجعل لكم } أي خلق بعد أن كنتم نطفاً مواتاً { السمع والأبصار والأفئدة } قيل قدم السمع لأن الإنسان يسمع أولاً كلاماً فينظر إلى قائله ليعرفه ثم يتفكر بقلبه في ذلك الكلام ليفهم معناه ووحد السمع لأن الإنسان يسمع الكلام من أي جهة كان { قليلاً ما تشكرون } يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعمة فتوحدوه إلا قليلا. قوله تعالى { وقالوا } يعني منكري البعث { أئذا ضللنا } هلكنا { في الأرض } والمعنى صرنا تراباً { أئنا لفي خلق جديد } استفهام إنكاري قال الله تعالى: { بل هم بلقاء ربهم كافرون } بالبعث بعد الموت { قل يتوفاكم } أي يقبض أرواحكم حتى لا يبقى أحد ممن كتب عليه الموت { ملك الموت } وهو عزرائيل عليه السلام { الذي وكل بكم } أي أنه لا يغفل عنكم وإذا جاء أجل أحدكم لا يؤخر ساعة ولا شغل له إلا ذلك. روي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة، فهو يقبض أرواح الخلائق من مشارق الأرض ومغاربها وله أعوان من الملائكة ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. وقال ابن عباس إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب، وقال مجاهد: جعلت له الأرض مثل الطست يتناول منها حيث يشاء، وقيل إن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فتنزع أعوانه روح الإنسان، فإذا بلغ ثغره نحره قبضه ملك الموت. عن معاذ بن جبل قال: إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب، وهو يتصفح وجوه الناس فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين، فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة وقال له الآن تنزل بك سكرات الموت. وقوله { ثم إلى ربكم ترجعون } أي تصيرون إلى ربكم أحياء فيجزيكم بأعمالكم. قوله عز وجل { ولو ترى إذ المجرمون } أي المشركون { ناكسوا رؤوسهم عند ربهم } أي يطأطئونها حياء من ربهم وندماً على ما فعلوا عند ربهم يقولون { ربنا أبصرنا } أي ما كنا به مكذبين { وسمعنا } يعني منك تصديق ما أتتنا به رسلك وقيل أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فيها { فارجعنا } أي فارددنا إلى الدنيا { نعمل صالحاً إنا موقنون } أي في الحال آمنا ولكن لا ينفع ذلك الإيمان { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } أي رشدها وتوفيقها للإيمان { ولكن حق القول مني } أي وجب القول مني { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } أي من كفار الجن والإنس { فذوقوا } يعني فإذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة ذوقوا { بما نسيتم لقاء يومكم } أي تركتم الإيمان في الدنيا { هذا إنا نسيناكم } يعني تركناكم بالكلية غير ملتفت إليكم كما يفعل بالناس قطعاً لرجائكم { وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون } أي من الكفر والتكذيب.