خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٧٠
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ
٧١
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ
٧٢
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ
٧٣
وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ
٧٤
لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ
٧٥
فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٦
أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ
٧٧
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ
٧٨
-يس

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ لتنذر } أي يا محمد وقرىء بالياء أي القرآن { من كان حياً } يعني مؤمناً حي القلب لأن الكافر كالميت الذي لا يتدبر ولا يتفكر { ويحق القول } أي وتجب حجة العذاب { على الكافرين } قوله عز وجل: { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا } أي تولينا خلقه بإبداعنا له من غير إعانة أحد في إنشائه كقول القائل عملت هذا بيدي إذا تفرد به ولم يشاركه فيه أحد وقيل عملناه بقوتنا وقدرتنا وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة التي لا يقدر عليها إلا هو { أنعاماً } إنما خص الأنعام بالذكر وإن كانت الأشياء كلها من خلق الله تعالى وإيجاده لأن النعم أكثر أموال العرب والنفع بها أعم { فهم لها مالكون } أي خلقناها لأجلهم فملكناهم إياها يتصرفون فيها تصرف الملاك.
وقيل معناه فهم لها ضابطون قاهرون ومنه قول بعضهم:

أصبحت لا أحمل السلاح ولاأملك رأس البعير إن نفرا

أي لا أضبط رأس البعير والمعنى لم تخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل خلقناها مذللة مسخرة لهم وهو قوله تعالى: { وذللناها لهم فمنها ركوبهم } أي الإبل { ومنها يأكلون } أي الغنم { ولهم فيها منافع } أي من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها ونسلها { ومشارب } أي من ألبانها { أفلا يشكرون } أي رب هذه النعم { واتخذوا من دون الله آلهة } يعني الأصنام { لعلهم ينصرون } أي لتمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك قط { لا يستطيعون نصرهم } قال ابن عباس لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب { وهم لهم جند محضرون } أي الكفار جند الأصنام يغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيراً ولا تستطيع لهم نصراً وقيل هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله ومعه أتباعه الذين عبدوه في الدنيا كأنهم جند محضرون في النار { فلا يحزنك قولهم } يعني قول كفار مكة في تكذيبك يا محمد { إنا نعلم ما يسرون } أي في ضمائرهم من التكذيب { وما يعلنون } أي من عبادة الأصنام وقيل ما يعلنون بألسنتهم من الأذى.
قوله تعالى: { أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة } أي من نطفة قذرة خسيسة { فإذا هو خصيم مبين } أي جدل بالباطل بين الخصومة والمعنى العجب من جهل هذا المخاصم مع مهانة أصله كيف يتصدى لمخاصمة الجبار ويبرز لمجادلته في إنكاره البعث, وكيف لا يتفكر في بدء خلقه وأنه من نطفة قذرة ويدع الخصومة, نزلت في
"أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى الله عليه وسلم في إنكار البعث وأتاه بعظم قد رم وبلي ففتته بيده وقال أترى يحيي الله هذا بعد ما رم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم ويبعثك ويدخلك النار" فأنزل الله تعالى هذه الآيات { وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه } أي بدأ أمره { قال من يحيي العظام وهي رميم } أي بالية والمعنى وضرب لنا مثلاً في إنكار البعث بالعظم البالي حين فتته بيده وتعجب ممن يقول إن الله تعالى يحييه ونسي أول خلقه وأنه مخلوق من نطفة.