خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً
٣٨
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً
٣٩
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً
٤٠
-النساء

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله عز وجل: { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } يعني للفخار والسمعة وليقال ما أسخاهم وما أجودهم لا يريدون بما أنفقوا وجه الله تعالى (م) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" نزلت هذه الآية في اليهود وقيل في المنافقين لأن الرياء ضرب من النفاق، وقيل نزلت في مشركي مكة المنفقين أموالهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } يعني ولا يصدقون بتوحيد الله ولا بالمعاد الذي فيه جزاء الأعمال أنه كائن { ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً } يعني من يكن الشيطان صاحبه وخليله فبئس الصاحب وبئس الخليل الشيطان، وإنما اتصل الكلام هنا بذكر الشيطان تقريعاً لهم على طاعة الشيطان. والمعنى من يكن عمله بما سول له الشيطان فبئس العمل عمله وقيل هذا في الآخرة يجعل الله الشياطين قرناءهم في النار يقرن مع كل كافر شيطان في سلسلة من النار ثم وبخهم الله تعالى وعيرهم على ترك الإيمان فقال تعالى: { وماذا عليهم } يعني وأي شيء عليهم وأي وبال وتبعة تلحقهم { لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله } أي أي وبال عليهم في الإيمان بالله والإنفاق في سبيله وابتغاء مرضاته { وكان الله بهم عليماً } يعني لا يخفى عليه شيء من أعمال هؤلاء الذين ينفقون أموالهم لأجل الرياء والسمعة ففيه وعيد وتهديد لهم. قوله عز وجل: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } نظم الكلام وماذا عليهم لو آمنوا وأنفقوا فإن الله لا يظلم ولا يبخس ولا ينقص أحداً من ثواب عمله مثقال ذرة يعني وزن ذرة. وقال ابن عباس: الذرة رأس نملة حمراء وقيل الذرة كل جزء من أجزاء الهباء الذي يكون في الكوة إذا كان فيها ضوء الشمس لا وزن لها وهذا مثل ضربه الله تعالى لأقل الأشياء والمعنى أن الله تعالى لا يظلم أحداً شيئاً من قليل ولا كثير فخرج الكلام على أصغر شيء يعرفه الناس { وإن تك حسنة يضاعفها } يعني الحسنة بعشر أمثالها وقيل هذا عند الحساب فمن بقي له من الحسنات مثقال ذرة ضاعفها الله له إلى سبعمائة وإلى أجر عظيم. قال قتادة: لأن تفضل حسناتي على سيئاتي بمثقال ذرة أحب إليّ من الدنيا وما فيها (م) عن أنس بن مالك في قوله تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيعطي بحسنات قد عمل بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها" عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر؟ فيقول لا يا رب فيقول تعالى: بل إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسول الله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء" أخرجه الترمذي (ق) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلّم سلّم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار" وفي رواية " فما أنتم بأشد منا شدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون. فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فاخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً وكان أبو سعيد يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً } فيقول الله تبارك وتعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه. ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً" لفظ مسلم وهو بعض حديث. وقال بعضهم هذه الآية واردة في الخصوم ويدل عليه ما روي عن عبدالله بن مسعود قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد من عند الله إلا من كان يطلب مظلمة فليجئ إلى حقه فليأخذه قال فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه منه وإن كان صغيراً ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله تعالى: { { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } [المؤمنون: 101] ويؤتى بالعبد وينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ثم يقال له آت هؤلاء حقوقهم فيقول أي رب من أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول الله تبارك وتعالى لملائكته انظروا في أعماله الصالحات فأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة يا ربنا وهو أعلم بذلك أعطينا كل ذي حق حقه وبقي له مثقال ذرة من حسنة فيقول للملائكة ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة ومصداق ذلك في كتاب الله: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً } أي الجنة وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة إلهنا فنيت حسناته وبقي طالبون كثير فيقول الله تبارك وتعالى: "خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم اكتبوا له كتاباً إلى النار" أخرجه البغوي بغير سند عن ابن مسعود موقوفاً عليه. وأسنده ابن جرير الطبري عن ابن مسعود فمعنى الآية على هذا التأويل أن الله لا يظلم مثقال ذرة للخصم على خصمه بل يأخذها له منه ولا يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضاعفها له فذلك قوله تعالى: { وإن تك حسنة يضاعفها } أي يجعلها أضعافاً كثيرة { ويؤت من لدنه } يعني من عنده { أجراً عظيماً } يعني الجنة والمعنى ويعطي من عنده أجراً عظيماً يعني عوضاً من حسنة وذلك العوض هو الجنة وقال أبو هريرة: إذا قال الله عزّ وجلّ أجراً عظيماً فمن يقدر قدره.