خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً
٤٨
-النساء

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله عز وجل: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } قال ابن جرير الطبري معناه يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. فعلى هذا يكون في الآية دلالة على أن اليهودي يسمى مشركاً في عرف الشرع وقيل إن الآية نزلت في وحشي وأصحابه، وذلك لما قتل حمزة رضي الله عنه ورجع إلى مكة ندم هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا ندمنا على ما صنعنا وأنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلاّ أنا سمعناك بمكة تقول والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر إلى آخر الآيات وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرم الله وزنينا فلولا هذه الآيات لاتبعناك فنزلت { { إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً } [الفرقان: 70] الآيتين فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما قرؤوهما كتبوا إليه إن هذا شرط شديد ونخاف أن لا نعمل عملاً صالحاً فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فبعثوا إنا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت { { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } [الزمر: 53] الآية فبعث بها إليهم فدخلوا في الإسلام ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل منهم ثم قال لوحشي أخبرني كيف قتلت حمزة؟ فلما أخبره قال ويحك غيب وجهك عني فلحق بالشام فكان به إلى أن مات وقيل لما نزلت { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } [الزمر: 53] الآية قام رجل فقال: يا رسول الله والشرك؟ فسكت ثم قام إليه مرتين أو ثلاثاً فنزلت هذه الآية ومعنى الآية أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يعني ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء من أصحاب الذنوب والآثام. ففي الآية دليل على أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة فإنه في خطر المشيئة إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة بمنه وكرمه وإن شاء عذبه بالنار ثم أدخله الجنة برحمته وإحسانه لأن الله تعالى وعد المغفرة لما دون الشرك فإن مات على الشرك فهو مخلد في النار لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وفي الآية رد على المعتزلة والقدرية حيث قالوا: لا يجوز في الحكمة أن يغفر لصاحب كبيرة وعند أهل السنة أن الله تعالى يفعل ما يشاء لا مكره له ولا حجر عليه ويدل على ذلك أيضاً ما روي عن ابن عمر قال كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار حتى نزلت هذه الآية: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فأمسكنا عن الشهادة. وقال ابن عباس لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين الرجل يعمل من الصالحات لم يدع من الخير شيئاً إلاّ عمله غير أنه مشرك قال عمر هو في النار فقال ابن عباس الرجل لم يدع شيئاً من الشر إلاّ عمله غير أنه لم يشرك بالله شيئاً فقال عمر: الله أعلم قال ابن عباس: إني لأرجو له كما أنه لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب فسكت عمر. عن علي بن أبي طالب قال: ما في القرآن أحب إلي من هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (م) عن جابر قال " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات يشرك به دخل النار" .
وقوله تعالى: { ومن يشرك بالله } يعني يجعل معه شريكاً غيره { فقد افترى } أي اختلق { إثماً عظيماً } يعني ذنباً عظيماً غير مغفور إن مات عليه.