خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٩
-يونس

البحر المحيط

لما ذكر تعالى الدلالة على فساد عبادة الأصنام، ذكر الحامل على ذلك وهو الاختلاف الحادث بين الناس، والظاهر عموم الناس. ويتصور في آدم وبينه إلى أنْ وقع الاختلاف بعد قتل أحد ابنيه الآخر، وقاله: أبي بن كعب. وقال الضحاك: المراد أصحاب سفينة نوح، اتفقوا على الحنيفية ودين الإسلام. وعن ابن عباس: من كان من ولد آدم إلى زمان إبراهيم ورد بأنه عبد في زمان نوح عليه السلام الأصنام كود، وسواع. وحكى ابن القشيري أنّ الناس قوم إبراهيم إلى أنْ غيّر الدين عمرو بن لحي. وقال ابن زيد: هم الذين أخذ عليهم الميثاق يوم: { ألست بربكم } [الأعراف: 172] لم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم. وقال الأصم: هم الأطفال المولودون كانوا على الفطرة فاختلفوا بعد البلوغ، وأبعد من ذهب إلى أنّ المراد بالناس هنا آدم وحده، وهو مروي عن: مجاهد، والسدّي، وعبر عنه بالأمة لأنه جامع لأنواع الخير. وهذه الأقوال هي على أنّ المراد بأمة واحدة في الإسلام والإيمان. وقيل: في الشرك. وأريد قوم إبراهيم كانوا مجتمعين على الكفر، فآمن بعضهم، واستمر بعضهم على الكفر. أو من كان قبل البعث من العرب وأهل الكتاب كانوا على الكفر والتبديل والتحريف، حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن بعضهم، أو العرب خاصة، أقوال ثالثها للزجاج. والظاهر أنّ المراد بقوله: أمة واحدة في الإسلام، لأنّ هذا الكلام جاء عقيب إبطال عبادة الأصنام، فلا يناسب أنْ يقوي عباد الأصنام. فإنّ الناس كانوا على ملة الكفر، إنما المناسب أن يقال: إنهم كانوا على الإسلام حتى تحصل النفرة من اتباع غير ما كان الناس عليه. وأيضاً فقوله: ولولا كلمة، هو وعيد، فصرفه إلى أقرب مذكور وهو الاختلاف، هو الوجه والاختلاف بسبب الكفر، هو المقتضى للوعيد، لا الاختلاف الذي هو بسبب الإيمان، إذ لا يصلح أن يكون سبباً للوعيد، وقد تقدم الكلام على نحو هذا في البقرة في قوله: { كان الناس أمة واحدة } [البقرة: 213] ولكنْ أعدنا الكلام فيه لبعده.

والكلمة هنا هو القضاء، والتقدير: لبني آدم بالآجال المؤقتة. قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد الكلمة في أمر القيامة، وأنّ العقاب والثواب إنما يكون حينئذ. وقال الزمخشري: هو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة يقضي بينهم عاجلاً فيما اختلفوا فيه، وتمييز المحق من المبطل. وسبقت كلمة الله بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف، وتلك دار ثواب وعقاب. وقال الكلبي: الكلمة أنّ الله أخبر هذه الأمة لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلى يوم القيامة، فلولا هذا التأخير لقضى بينهم بنزول العذاب، أو بإقامة الساعة. وقيل: الكلمة السابقة أنْ لا يأخذ أحداً إلا بحجة وهو إرسال الرسل. وقيل: الكلمة قوله: "سبقت رحمتي غضبي " ولولا ذلك ما أخر العصاة إلى التوبة.