خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٦
-يونس

البحر المحيط

رهقه غشيه، وقيل: لحقه ومنه. ولا ترهقني من أمري عسراً، ورجل مرهق يغشاه الأضياف. وقال الأزهري: الرهق اسم من الإرهاق، وهو أن يحمل الإنسان على نفسه ما لا يطيق. يقال: أرهقته أن يصلي إذا أعجلته عن الصلاة. وقيل: أصل الرهق المقاربة، يقال: غلام مراهق أي قارب الحلم. وفي الحديث: "أرهقوا القبلة" أي ادنوا منها. ويقال: رهقت الكلاب الصيد إذا لحقته، وأرهقنا الصلاة أخرناها حتى تدنو من الأخرى.

القتر والقترة الغبار الذي معه سواد، وقال ابن عرفة: الغبار. وقال الفرزدق:

متوج برداء الملك يتبعه موج ترى فوقه الرايات والقترا

أي غبار العسكر. وقال ابن بحر: أصل القتر دخان النار، ومنه قتار القدر انتهى. ويقال: القتر بسكون التاء الشأن والأمر، وجمعه شؤون. وأصله الهمز بمعنى القصد من شأنت شأنه إذا قصدت قصده. عزب يعزب ويعزب بكسر الزاي وضمها غاب حتى خفي، ومنه الروض العازب. وقال أبو تمام:

وقلقل نأى من خراسان جأشها فقلت اطمئني أنضر الروض عازبه

وقيل للغائب عن أهله عازب، حتى قالوه لمن لا زوجة له.

{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون }: أحسنوا قال ابن عباس: ذكروا كلمة لا إله إلا الله. وقال الأصم: أحسنوا في كل ما تعبدوا به أي: أتوا بالمأمور به كما ينبغي، واجتنبوا المنهى. وقيل: أحسنوا معاملة الناس. وروي أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنوا العمل في الدنيا" وفي الصحيح: "ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإنْ لم تكن تراه فإنه يراك" وعن عيسى عليه السلام: "ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك ذلك مكافأة، ولكنّ الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك".

والحسنى قال الأكثرون: هي الجنة، وروي ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو صح وجب المصير إليه. وقال الطبري: الحسنى عام في كل حسن، فهو يعم جميع ما قيل ووعد الله في جميعها بالزيادة، ويؤيد ذلك أيضاً قوله: أولئك أصحاب الجنة. ولو كان معنى الحسنى الجنة لكان في القول تكرير في المعنى. وقال عبد الرحمن بن سابط: هي النضرة. وقال ابن زيد: الجزاء في الآخرة. وقيل: الأمنية ذكره ابن الأنباري. وقال الزمخشري: المثوبة الحسنى وزيادة، وما يزيد على المثوبة وهو التفضل، ويدل عليه قوله تعالى: { ويزيدهم من فضله } [النساء: 173] وعن علي: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة. وعن ابن عباس: الحسنى الحسنة والزيادة عشرة أمثالها. وعن الحسن: عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وعن مجاهد: الزيادة مغفرة من الله ورضوان. وعن زياد بن شجرة: الزيادة أنّ تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئاً إلا أمطرتهم. وزعمت المشبهة والمجبرة أن الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى، وجاءت بحديث موضوع: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا يا أهل الجنة، فيكشفون الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله تعالى شيئاً هو أحب إليهم منه" انتهى. أما تفسيره أولاً ونقله عمن ذكر تفسير الزيادة فهو نص الجبائي ونقله، وأما قوله: وجاءت بحديث موضوع فليس بموضوع، بل خرجه مسلم في صحيحه عن صهيب، والنسائي عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وخرجه ابن المبارك في دقائقه موقوفاً على أبي موسى وقال: بأن الزيادة هي النظر إلى الله تعالى، أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، في رواية وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وكعب بن عجرة، وأبو موسى، وصهيب، وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين. ومسألة الرؤية يبحث فيها في أصول الدين. قال مجاهد: أراد ولا يلحقها خزي، والخزي يتغير به الوجه ويسود. قال ابن ابن عباس: والذلة الكآبة. وقال غيره: الهوان. وقيل: الخيبة نفي عن المحسنين ما أثبت للكفار من قوله: { { وترهقهم ذلة } [يونس: 27] وقوله: { { عليها غبرة * ترهقها قترة } [عبس: 40 - 41] وكنى بالوجه عن الجملة لكونه أشرفها، ولظهور أثر السرر والحزن فيه. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وعيسى بن عمر، والأعمش: قتر بسكون التاء، وهي لغة كالقدر، والقدر وجعلوا أصحاب الجنة لتصرفهم فيها كما يتصرف الملاك على حسب اختيارهم.