خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ
٦٧
قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ
٦٨
وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ
٦٩
قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٧٠
قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
٧١
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
٧٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ
٧٣
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ
٧٤
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
٧٥
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ
٧٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
٧٧
-الحجر

البحر المحيط

الفضح والفضيحة مصدران لفضح يفضح، إذا أتى من أمر الإنسان ما يلزمه به العار، ويقال: فضحك الصبح، إذا تبين للناس. قال الشاعر:

ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا مثل القلامة قد قصت من الظفر

التوسم: تفعل من الوسم، هي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها، يقال: توسم فيه الخير إذا رأى ميسم ذلك. وقال عبد الله بن رواحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إني توسمت فيك الخير أجمعه والله يعلم أني ثابت البصر

وقال الشاعر:

توسمت لما أن رأيت مهابة عليه وقلت المرء من آل هاشم

واتسم الرجل جعل لنفسه علامة يعرف بها، وتوسم الرجل طلب كلاء الوسمي. وقال ثعلب: الواسم الناظر إليك من فرقك إلى قدمك. وأصل التوسم التثبت والتفكر، مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير أو غيره.

{ وجاء أهل المدينة يستبشرون. قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون. واتقوا الله ولا تخزون. قالوا أولم ننهك عن العالمين. قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون. فأخذتهم الصيحة مشرقين. فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. إن في ذلك لآيات للمتوسمين. وإنها لبسبيل مقيم. إن في ذلك لآية للمؤمنين }: استبشارهم: فرحهم بالأضياف الذين وردوا على لوط عليه السلام. والظاهر أنّ هذا المجيء ومحاورته مع قومه في حق أضيافه، وعرضه بناته عليهم، كان ذلك كله قبل إعلامه بهلاك قومه وعلمه بأنهم رسل الله، ولذلك سماهم ضيفان خوف الفضيحة، لأجل تعاطيهم ما لا يجوز من الفعل القبيح. وقد جاء ذلك مرتباً هكذا في هود، والواو لا ترتب. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المجيء والمحاورة بعد علمه بهلاكهم، وخاور تلك المحاورة على جهة التكتم عنهم، والإملاء لهم، والتربص بهم انتهى. ونهاهم عن فضحهم إياه لأنّ من أساء إلى ضيفه أو جاره فقد أساء إليه. ولا تخزون من الخزي وهو الإذلال، أو من الخزاية وهو الاستحياء. وفي قولهم: أو لم ننهك دليل على تقدم نهيهم إياه عن أن يضيف، أو يجبر أحداً، أو يدفع عنه، أو يمنع بينهم وبينه، فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد. وكان هو صلى الله على نبينا وعليه يقوم بالنهي عن المنكر، والحجز بينهم وبين من تعرضوا له، فأوعدوه بأنه إنْ لم ينته أخرجوه. وتقدم الكلام في قوله: بناتي، ومعنى الإضافة في هود. وإن كنتم فاعلين شك في قبولهم لقوله: كأنه قال إن فعلتم ما أقول، ولكم ما أظنكم تفعلون. وقيل: إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم. واللام في لعمرك لام الابتداء، والكاف خطاب للوط عليه السلام، والتقدير: قالت الملائكة للوط لعمرك، وكنى عن الضلالة والغفلة بالسكرة أي: تحيرهم في غفلتهم، وضلالتهم منعهم عن إدراك الصواب الذي يشير به من ترك البنين إلى البنات. وقيل: الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قول الجمهور ابن عباس، وأبو الحوراء، وغيرهما. أقسم تعالى بحياته تكريماً له. والعمر: بفتح العين وضمها البقاء، وألزموا الفتح القسم، ويجوز حذف اللام، وبذلك قرأ ابن عباس: وعمرك. وقال أبو الهيثم: لعمرك لدينك الذي يعمر، وأنشد:

أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرك الله كيف يلتقيان

أي: عبادتك الله. وقال ابن الأعرابي: عمرت ربي أي عبدته، وفلان عامر لربه أي عابد. قال: ويقال تركت فلاناً يعمر ربه أي يعبده، فعلى هذا لعمرك لعبادتك. وقال الزجاج: ألزموا الفتح القسم لأنه أخف عليهم، وهم يكثرون القسم بلعمرى ولعمرك فلزموا الأخف، وارتفاعه بالابتداء، والخبر محذوف أي: ما أقسم به. وقال بعض أصحاب المعاني: لا يجوز أن يضاف إلى الله، لأنه لا يقال لله تعالى عمر، وإنما يقال: هو أزلي، وكأنه يوهم أنّ العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع، وليس كذلك العمر، والعمر البقاء. قال الشاعر:

إذا رضيت عليّ بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها

وقال الأعشى:

ولعمر من جعل الشهور علامة فبين منها نقصها وكمالها

وكره النخعي أن يقال: لعمري، لأنه حلف بحياة المقسم. وقال النابغة:

لعمـري ومـا عمـري علـيّ بهيـن

والضمير في سكرتهم عائد على قوم لوط، وقال الطبري: لقريش، وهذا مروي عن ابن عباس. قال: ما خلق الله نفساً أكرم على الله من محمد قال له: وحياتك إنهم أي قومك من قريش لفي سكرتهم أي ضلالهم، وجهلهم يعمهون يتردّدن. قال ابن عطية: وهذا بعيد لانقطاعه مما قبله وما بعده. وقرأ الأشهب: سكرتهم بضم السين، وابن أبي عبلة: سكراتهم بالجمع، والأعمش: سكرهم بغير تاء، وأبو عمرو في رواية الجهضمي: أنهم بفتح همزة أنهم. والصيحة: صبحة الهلاك. وقيل: صوت جبريل عليه السلام. وقال ابن عطية: هي صيحة الوحشة، وليست كصيحة ثمود مشرقين: داخلين في الشروق، وهو بزوغ الشمس. وقيل: أول العذاب كان عند الصبح، وامتد إلى شروق الشمس، فكأنه تمام الهلاك عند ذلك. والضمير في عاليها سافلها عائد على المدينة المتقدّمة الذكر. وقال الزمخشري: لقرى قوم لوط، ولم يتقدم لفظ القرى. وقال مقاتل وابن زيد: للمتوسمين، للمتفكرين. وقال الضحاك: للناظرين. قال الشاعر:

أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلى عريفهم يتوسم

وقال أبو عبيدة: للمتبصرين. وقال قتادة: للمعتبرين. وروي نهشل عن ابن عباس للمتوسمين قال: لأهل الصلاح والخير، والضمير في وأنها عائد على المدينة المهلكة أي: أنها لبطريق ظاهر بين للمعتبر قاله: مجاهد، وقتادة، وابن زيد. قيل: ويحتمل أن يعود على الآيات، ويحتمل أن يعود على الحجارة. وقوله: لبسبيل أي ممر ثابت، وهي بحيث يراها الناس ويعتبرون بها لم تندرس. وهو تنبيه لقريش، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل. وقيل: عائد على الصيحة أي: وإنّ الصيحة لبمرصد لمن يعمل عملهم لقوله: وما هي من الظالمين ببعيد. وقيل: مقيم معلوم. وقيل: معتد دائم. وقال ابن عباس: هلاك دائم السلوك إنّ في ذلك أي: في صنعنا بقوم لوط لعلامة ودليلاً لمن آمن بالله.