خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ
١٤
-البقرة

التفسير

وقال جل ذكره: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوۤاْ ءَامَنَّا... }
(إنما) اعبر بإذا اعتبارا بالأمر العادي لأنهم (مجاورون) لهم (وقريبون منهم) فهم في مظنة أن يكون لقاؤهم لهم محقق الوقوع. فإن قلت لم قال: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوۤا ءَامَنَّا }. ولم يقل إذا لقيهم الذين آمنوا، وأي فرق بين قولك: لقيني زيد ولقيت زيدا، مع أنه أمر نسبي، فإن من لقيته لقيك؟
قال ابن عرفة: فرق بعضهم بينهما بأن المتلاقيين إن كانت لأحدهما مندوحة عن اللقاء، ويجد ملجأ أو مقرا فهو مفعول، والآخر الذي لم يجد ملجأ ولا مقرا بل اضطر إلى لقاء صاحبه يستحسن أن يكون فاعلا للقاء، والمنافقون كانوا يكرهون لقاء المؤمنين، وإذا لقوهم في طريق يحيدون عنهم، فلذلك كانوا في الآية فاعلين لأنهم مضطرون إلى اللّقاء.
قال جل ذكره: { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ... }
قال الزمخشري: لم عبّر في الأول بالفعل وفي الثاني بالاسم؟
وأجاب بأنهم عبروا بالفعل (لأنّ) مقصودهم الإخبار بتحصيل مطلق الإيمان، ولم يلتزموا تحصيل أعلاه، وأخبروا شياطينهم بحقيقة أمرهم على جهة الثبوت.
قال ابن عرفة: وتقدّم الجواب عنهم بأنّهم (إنّما) عبّروا بالفعل لكونهم نزّلوا أنفسهم منزلة البريء الذي يقبل قوله ولا يتّهم، فلو أكّدوا كلامهم لكانوا مقرّين بأنَّ المؤمنين يتهمونهم بالكفر وينكرون عليهم زعمهم أنهم مؤمنون، فأرادوا أن لا يوقعوا لأنفسهم ريبة، بل يخبرون بذلك على البراءة الأصلية خبر من يكتفي منهم بأدنى (العبارة) ويقبل كلامه، ولا ينكر عليه.
وقولهم لشياطينهم: "إِنَّا مَعَكُمْ" أكدوا ذلك لأمرين: إما لكون (ذلك محبوبا لهم)، فبالغوا فيه كما (يبالغ) الإنسان (في مدح ما) هو محبوب (له)، وإما تقرير لمعذرتهم لأنّهم أظهروا الإسلام (فخشوا أن) يتوهّم فيهم أصحابهم أنّهم مسلمون، فبالغوا في تمهيد العذر (لنيّتهم).
قال ابن عطية: قال الشّافعي وأصحابه: إنما منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قتل المنافقين (لما) كانوا يظهرونه من الإسلام بألسنتهم مع العلم بنفاقهم لأن الإسلام يجبّ ما كان قبله فمن قال: إن عقوبة الزنادقة أشد من عقوبة الكفار فقد خالف الكتاب والسنة.
قال الشافعي: إنّما كفّ رسول الله عليه وسلّم عن قتل المنافقين مع العلم بهم، لأنّ الله نَهَاهم عن قتلهم إذا أظهروا الإيمان فكذلك هو الزنديق.
قال ابن عرفة: الفرق بينهما أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم كان يعلم أن المنافقين يموتون على نفاقهم وكفرهم والزنديق لا يقدر أحد منا أن يعلم وفاته على الزندقة.