خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ
٢٧٢
-البقرة

التفسير

قوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ... }.
قال ابن عرفة: الخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أو عام له ولسائر المؤمنين كقوله تعالى:
{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } }. { { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } }. وهو راجع إلى الخلاف الّذي (حكاه) ابن عطية لأن ما نقله عن سعيد بن جبير وعن النّقاش يقتضي الخصوص وما نقله عن ابن عباس يقتضي العموم.
قال ابن عرفة: وعلى تقدير الخصوص يستلزم العموم فهو خصوص لأنه إذا رفع التكليف عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو رسول مأمور بالتبليغ والدعاء إلى الإيمان فأحرى أن يرفع عن من سواه.
قال ابن عطية: ذكر النّقاش
"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتِىَ بصدقة فجاءه يهودي فقال: أعطني. فقال له عليه الصلاة والسلام: ليس لك من صدقة المسلمين شيء" . فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت الآية، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاه، ثم نسخ الله ذلك بقوله: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ
}. قال ابن عرفة: هذا ليس بنسخ ولكن المتقدمين يطلقون عليه نسخا والمتأخرين يقولون: العام إن عمل به ثم ورد بعد ذلك خاص فهو نسخ له وإن ورد الخاص بعده وقبل العمل به فهو تخصيص لا نسخ.
قال ابن عطية: والهدى المنفي هو خلق الإيمان في قلوبهم، و أما الهدى الذي هو الدعاء إلى الإيمان فهو عليه.
قال ابن عرفة: أما خلق الهدى (فمنفي) معلوم بالضرورة لا يحتاج إلى نفيه، وأما الدعاء إلى الإيمان فغير منفي، ويبقى قسم ثالث وهو الدعاء المحصل للإيمان الكسبي لا الجبري فيقال هديت فلانا إلى الإيمان، أي دعوته إليه فاهتدى بخلاف ما إذا دعوته إليه فلم يهتد فإنك لا تقول: هديته إلى الإيمان، فهذا هو المنفي في الآية، أي ليس مطلوبا بتحصيل الهداية الكسبية لهم إنّما عليك أن تدعوهم فقط، والإضافة على ما قلناه للمفعول. أي ليس عليك أن تهديهم.
قيل لابن عرفة: لعل المراد لا يجب عليك أن تهديهم إلى الإيمان؟ فرده بقول الله تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } فَإِنَّه ليس المراد به الجبر على الإيمان بل خلق الهداية.
قال ابن عرفة: وهذا تسكين لروعته لأنه مضى قبل الآية مقدار ربع حزب في الحض على الصدقة، وعلى (خلوص) النّية، وكرر ذلك وأكد فخشي أن يتهالك عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأجل عدم امتثالهم فأتت هذه الآية تسكينا لروعته وتطمينا لجنانه.
قوله تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ... }.
فالتشديد كما في قوله تعالى:
{ { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } وفي بعضها ولكن بالتخفيف. وسبب ذلك أنه إذا كان المخاطب منكرا وظهرت عليه مخائل الإنكار فيؤتي بها مشددة.
ابن عرفة: وهذا أعمّ من قول الله تعالى:
{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } (فإن عليك أن تهدي من أحببت) أخص من قولك أنت تهدي من أحببت، ونفي الأخص أعم من نفي الأعم.
فإن قلت: الأصل في نسبة المتكلم إلى نفسه فعلا أن يأتي باسمه مضمرا فيقول: ليس عليك إكرام محمد ولكنه علي، ولا تقول: ولكنه على زيد، يعني نفسه.
قال: وتقدم لنا الجواب بأنّه لما كان المعنى خاصا بالله تعالى أتى فيه باسم الجلالة الخاص به ولو قال: ولكنّا نهدي من نشاء لكان عاما لأن الضمائر كلية.
قلت: ولأن النون والألف تكون للمتكلم وحده إذا عظّم نفسه وللمتكلم ومعه غيره بخلاف / اسم الجلالة فإنه خاص بلا شك.
قوله تعالى: { وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ... }.
يحتمل أن تكون الواو واو الحال (أي) وما تنفقوا من (خير) فلأنفسكم حالة كونهم يقصدون به وجه الله وهذا خبر في معنى الطلب (أو) الأمر أو النهي. انتهى.
قوله تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }.
تأسيس، والمراد بالتوفية في المقدار وعدم الظلم في الصفة لأن من لك عليه طعام موصوف تارة يعطيك مثل الصفة وأقل في المقدار، وتارة يعطيك مثل القدر (وأدوَن) في الصفة.