خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ
٣٥
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣٦
رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
٣٧
رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ
٣٨
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ
٣٩
رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ
٤٠
رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ
٤١
وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ
٤٢
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ
٤٣
وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ
٤٤
وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ
٤٥
وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ
٤٦
فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٤٧
يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
٤٨
وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ
٤٩
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ
٥٠
لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٥١
هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٥٢
-إبراهيم

غرائب القرآن و رغائب الفرقان

القراءات: { إبراهام } بالألف: هشام والأخفش عن ابن ذكوان { إني أسكنت } بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو { ومن عصاني } بالإمالة: علي { دعائي } بالياء في الحالين: ابن كثير ويعقوب. وقرأ أبو عمرو ويزيد وورش وحمزة وسهل والبرجمي والخزاز عن هبيرة وأحمد بن فرج عن أبي عمرو عن إسماعيل بالياء في الوصل. والباقون والهاشمي عن ابن فليح بغير ياء في الحالين. { نؤخرهم } بالنون: عباس والمفضل في رواية أبي زيد. الآخرون بالياء. { لتزول } بفتح الأول ورفع الآخر: عليّ. الباقون بكسر الأول ونصب الآخر. { القهار } مثل { البوار } { قطر } بكسر القاف وسكون الطاء والراء مكسورة منونة. { آن } على أنه اسم فاعل: يزيد عن يعقوب والوقف على قراءته { آني } بالياء.
الوقوف: { الأصنام } ط { من الناس } ج { مني } ج فصلاً بين النقيضين مع اتحاد الكلام { رحيم } ه { المحرم } لا لأن قوله: { ليقيموا } يتعلق بقوله: { أسكنت } وكلمة { ربنا } تكرار { يشكرون } ه { ما نعلن } ط { ولا في السماء } ه لا { وإسحاق } ط { الدعاء } ه { ومن ذريتي } ز قد قيل: { والوصل أولى للعطف { وربنا } تكرار { دعاء } ه { الحساب } ط { الظالمون } ه ط { الأبصار } ه لا لأن ما بعده حال { طرفهم } ج لاحتمال أن قوله: { وأفئدتهم } يكون من صفات أهل المحشر وأن يكون من صفة الكفار في الدنيا { هواء } ه ط { قريب } لا لأن قوله: { نجب } جواب { أخرنا } { الرسل } ط { زوال } ه لا للعطف على { أقسمتم } { الأمثال } ه { وعند الله مكرهم } ط { الجبال } ه { رسله } ط { انتقام } ه ط فإن انتقامه لا يختص بوقت والتقدير اذكر يوم { القهار } ه { في الأصفاد } ه ج للآية ولأن الجملة بعد من صفات المجرمين { النار } ه لا لتعلق لام كي { ما كسبت } ط { الحساب } ه { الألباب } ه.
التفسير: إن قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم يحتمل أن تكون مثالاً للكلمة الطيبة وأن تكون دعاء إلى التوحيد وإنكار لعبادة الأصنام، وأن تكون تعديداً لبعض نعمه على عبيده فإن وجود الصالحين ولا سيما الأنبياء والمرسلين رحمة فيما بين العالمين كما قال:
{ لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً } [آل عمران: 164]. وذلك بدعاء إبراهيم ومن نسله صلى الله عليه وسلم نبينا صلى الله عليه وسلم. حكى الله سبحانه عنه طلب أمور منها: قوله: { رب اجعل هذا البلد آمناً } وقد مر في "البقرة" الفرق بين هذه العبارة وبين ما هنالك. ولا ريب أن في مكة مزيد أمن ببركة دعائه حتى إن الناس مع شدة العداوة بينهم كانوا يتلاقون بمكة فلا يخاف بعضهم بعضاً، وكان الخائف إذا التجأ بمكة أمن، وللوحوش هناك استئناس ليس في غيرها، وإنما قدم طلب الأمن على سائر المطالب لأنه لولاه لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من مهمات الدين والدنيا ومن هنا جاز التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه. وسئل بعض الحكماء أن الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن دليله أن شاء لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل وإنها لو ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناول شيئاً إلى أن تموت، فدل ذلك على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الألم الحاصل للجسد. ومنها قوله: { واجنبني ونبيّ أن نعبد الأصنام } قال جار الله: أهل الحجاز يقولون: جنبني شره بالتشديد. وأهل نجد: جنبني وأجنبني. وفائدة الطلب - والاجتناب حاصل - التثبت والإدامة ولا أقل من هضم النفس وإظهار الفقر والحاجة والتماس العصمة من الشرك الخفي. أما قوله: { وبني } فقيل: أراد بنيه من صلبه وأنهم ما عبدوا صنماً ببركة دعائه. وقيل: أولاده وأولاد أولاده ممن كانوا موجودين حال دعوته. وقال مجاهد وابن عيينة: لم يبعد أحد من ولد إبراهيم صنماً وهو التمثال المصور، وإنما عبدت العرب الأوثان يعني أحجاراً مخصوصة كانت لكل قوم زعموا أن البيت حجر فحيثما نصبنا حجراً فهو بمنزلة البيت، فكانوا يدورون بذلك الحجر ويسمونه الدوار ولذلك استحب أن يقال: طاف بالبيت ولا يقال دار بالبيت. وضعف هذا الجواب بأنه إذا عبد غير الله فالوثن والصنم سيان، على أنه سبحانه وصف آلهتهم بما ينبىء عن كونهم مصورين كقوله: { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } [الأعراف: 198] الآيات إلى قوله: { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } [الأعراف: 198]. وقيل: إن هذا الدعاء مختص بالمؤمنين من أولاده بدليل قوله: { فمن تبعني فإنه مني } أي من أهلي فإنه يفهم منه أن من لم يتبعه في دينه فإنه ليس من أهله كقوله لابن نوح { { إنه ليس من أهلك } [هود: 46] وقيل: إنه وإن عمم الدعاء إلا أنه أجيب في البعض كقوله: { ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة: 124]. قالت الأشاعرة: لو لم يكن الإيمان والكفر بخلق الله تعالى لم يكن لالتماس التبعيد عن الكفر معنى. وحمله المعتزلة على منح الألطاف.
أما قوله: { رب إنهن أضللن كثيراً } فاتفقوا على أن نسبة الإضلال إليهن مجاز لأنهن جمادات فهو كقولهم "فتنتهم الدنيا وغرتهم" أي صارت سبباً للفتنة والاغترار بها { فمن تبعني } بقي على الملة الحنيفة { فإنه مني } أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي { ومن عصاني فإنك غفور رحيم } قال السدي: معناه ومن عصاني ثم تاب. وقيل: إن هذا الدعاء كان قبل أن يعلم أن الله لا يغفر الشرك. وقيل: المراد أنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله من الكفر إلى الإسلام. وقيل: أراد أن يمهلهم حتى يتوبوا وقيل: ومن عصاني فيما دون الشرك فاستدل الأشاعرة بإطلاقه من غير اشتراط التوبة على أنه شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر، وإذا ثبت هذا في حق إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثبت في حق نبينا بالطريق الأولى. ثم أراد أن يعطف الله بدعائه قلوب الناس كلهم أو جلهم على إسماعيل ومن ولد منه بمكة وأن يرزقهم من الثمرات فمهد لذلك مقدمة فقال: { ربنا إني أسكنت من ذريتي } أي بعضهم { بواد غير ذي زرع } أي لم يكن فيه شيء من زرع قط كقوله:
{ { قرآناً عربياً غير ذي عوج } [الزمر: 28] أي لا اعوجاج فيه أصلاً ولم يوجد ذلك فيه في زمن من الأزمان. وقد سبق في سورة البقرة قصة مجيء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بإسماعيل وأمه هاجر إلى هنالك. وفي قوله: { عند بيتك الحرام } دليل على أنه دعا هذه الدعوة بعد بناء البيت لا في حين مجيئه بهما. ومعنى كون البيت محرماً أن الله حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرماً لأجل حرمته، وأنه لم يزل ممتنعاً عزيزاً يهابه كل جبار كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب. وقيل: سمي محرماً لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقاً لأنه أعتق منه فلم يستول عليه، أو حرم على المكلفين أن يقربوه بالدماء والأقذار، أو لأنه أمر الصائرون إليه يحرموا على أنفسهم أشياء كانت تحل لهم من قبل { ربنا ليقيموا الصلاة } أي ما أسكنتهم بهذا الوادي القفر إلا لإقامة الصلاة عند البيت وعمارته بالذكر والطواف. { فاجعل أفئدة من الناس } "من" للتبعيض أي أفئدة من أفئدة الناس. قال مجاهد. لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند. وعن سعيد بن جبير: لو قال أفئدة الناس لحجة اليهود والنصارى والمجوس ولكنه أراد أفئدة المسلمين. وجوز في الكشاف أن يكون "من" للابتداء كقولك "القلب مني سقيم". وعلى هذا فإنما يحصل التبعيض من تنكير أفئدة فكأنه قيل: أفئدة ناس. ومعنى { تهوي } تسرع { إليهم } وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً. وقيل: تنحط وتنحدر. الأصمعي: هوى يهوي هوياً بفتح الهاء إذا سقط من علو إلى سفل وفي هذا الدعاء فائدتان: إحداهما ميل الناس إلى تلك البلدة للنسك والطاعة، والأخرى نقل الأقمشة إليه للتجارة، وفي ضمن ذلك تتسع معايشهم وتكثر أرزاقهم ومع ذلك قد صرح بها فقال: { وارزقهم من الثمرات } فلا جرم أجاب الله دعاءه فجعله حراماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء. وقيل: أراد أن يحصل حواليها القرى والمزارع والبساتين. ثم ختم الآية بقوله: { لعلهم يشركون } ليعلم أن المقصود الأصلي من منافع الدنيا وسعة الرزق هو التفرغ لأداء العبادات وإقامة والوظائف الشرعية.
ثم أثنى على الله سبحانه تمهيداً لدعوة أخرى وتعريضاً ببقية الحاجات فقال: { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن } على الإطلاق لأن الغيب والشهادة بالإضافة إلى العالم بالذات سيان. وقيل: ما نخفي من الوجد بسبب الفرقة بيني وبين إسماعيل، وما نعلن من البكاء والدعاء، أو أراد ما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله أكلكم. قال المفسررون: { وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء } من كلام الله عز وجل تصديقاً لإبراهيم، ويحتمل أن يكون من كلام إبراهيم. و"من" للاستغراق أي لا يخفى على الذين يستحق العبادة لذاته شيء ما في أيّ مكان يفرض. { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر } أي مع كبر السن وفي حال الشيخوخة { إسماعيل وإسحاق } ذكر أوّلاً كونه تعالى عالماً بالضمائر والسرائر، ثم حمده على هذه الموهبة لأن المنة بهبة الولد في حال وقوع اليأس من الولادة أعظم لأنها تنتهي إلى حد الخوارق فكأنه رمز إلى أنه يطلب من الله سبحانه أن يبقيهما بعده ولهذا ختم الآية بقوله: { إن ربي لسيمع الدعاء } وهو من إضافة الصفة إلى مفعولها أي مجيب الدعاء، أو إلى فاعلها بأن يجعل دعاء الله سميعاً على الإسناد المجازي، والمراد سماع الله تعالى، ويحتمل أن يكون قوله: { إن ربي لسميع الدعاء } رمزاً إلى ما كان قد دعا ربه وسأله الولد بقوله:
{ رب هب لي من الصالحين } [الصافات: 100] روي أن إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة. وقيل: إسماعيل لأربع وستين، وإسحق لتسعين. وعن سعيد بن جبير: لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة.
ثم ختم الأدعية بقوله: { رب اجعلني مقيم الصلاة } أي مديمها { ومن ذريتي } أي واجعل بعض ذريتي كذلك لم يدع للكل لأنه علم بإعلام والله تعالى أنه يكون في ذريته كفار وذلك قوله سبحانه
{ لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة: 124] { ربنا وتقبل دعائي } عن ابن عباس: أي عبادتي، وحمله على تقبله الأدعية السابقة في الآية غير بعيد { ربنا اغفر لي } طلب المغفرة لا يوجب سابقة الذنب لأن مثل هذا إنما يصدر عن الأنبياء والأولياء في مقام الخوف والدهشة على أن ترك الأولى لا يمتنع منهم وحسنات الأبرار سيئات المقربين.أما قوله: { ولوالدي } فاعترض عليه بأنه كيف استغفر لأبويه وهما كافران؟ وأجيب بأنه قال ذلك بشرط الإسلام، وزيف بأن قوله تعالى: { { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } [الممتحنة: 4] مستثنى من الأشياء التي يؤتسى فيها بإبراهيم، ولو كان استغفاره مشروطاً بإسلام أبيه لكان استغفاراً صحيحاً فلم يحتج إلى الاستثناء. وقيل: أراد بوالديه آدم وحواء والصحيح في الجواب أنه استغفر له بناء على الجواز العقلي والمنع التوفيقي بعد ذلك لا ينافيه { يوم يقوم الحساب } أي يثبت مستعار من قيام القائم على الرجل ومثله قولهم "قامت الحرب على ساقها" أو أسند إلى الحساب قيام أهله إسناداً مجازياً، أو المضاف محذوف مثل { واسأل القرية } [يوسف: 82]. ثم عاد إلى بيان الجزاء والمعاد لأن دعاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم قد انجر إلى ذكر الحساب فقال: { ولا تحسبن الله غافلاً } إن كان الخطاب لكل مكلف أو للنبي والمراد أمته فلا إشكال، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فمعناه التثبت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله إلا عالماً بجميع المعلومات، أو المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يقولون ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير. وعن ابن عيينة: تسلية للمظلوم وتهديد للظالم. قالت: لأنه لو لم ينتقم للمظلوم من الظالم لزم أن يكون غافلاً عن الظلم أو عاجزاً عن الانتقام أو راضياً بالظلم وكل ذلك مناف لوجوب الوجود المستلزم لجميع الكمالات { إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار } أي أبصارهم كقوله: { واشتعل الرأس } [مريم: 4] شخص بصر الرجل إذا بقيت عينه مفتوحة لا تطرف وذلك إنما يكون عند غاية الحيرة وسقوط القوة { مهطعين } مسرعين قاله أبو عبيدة. والغالب من حال من يبقى بصره شاخصاً من شدة الخوف أن يبقى واقفاً، فبين الله تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد لأنهم مع شخوص أبصارهم يكونون مسرعين نحو ذلك البلاء. وقال أحمد بن يحيى: المهطع الذي ينظر في ذل وخضوع. وقيل: هو الساكت { مقنعي رؤوسهم } رافعيها وهذا أيضاً بخلاف المعتاد لأن الغالب ممن يشاهد البلاء أنه يطرق رأسه لكيلا يراه { لا يرتد إليهم طرفهم } الطرف تحريك الأجفان على الوجه الذي خلق وجبل عليه. وسمى العين بالطرف تسمية بفعلها أي لا يرجع إليهم أن يطرفوا بعيونهم. والمراد دوام الشخوص المذكور. وقيل: أي لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم { وأفئدتهم هواء } والهواء الخلاء الذي يشغله الأجرام. وصف قلب الجبان به لأنه لا قوة فيه، ويقال للأحمق أيضاً قلبه هواء. والمعنى. أن قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جميع الخوطر والأفكار لعظم ما نالهم، وعن كل رجاء وأمل لما تحققوه من العذاب. والأظهر أن هذه الحالة لهم عند المحاسبة لتقدم قوله: { يوم يقوم الحساب } وقيل: هي عندما يتميز السعداء من الأشقياء. وقيل: عند إجابة الداعي والقيام من القبور. وعن ابن جريج: أراد أن أفئدة الكفار في الدنيا صفر من الخير خاوية منه. قال أبو عبيدة: جوف لا عقول لهم { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب } مفعول ثان لأنذروا اليوم يوم القيامة، واللام في العذاب للمعهود السابق من شخوص الأبصار وغيره، أو للمعلوم وهو عذاب النار. ومعنى { أخرنا } أمهلنا { إلى } أمد وحد من الزمان { قريب } أو يوم هلاكهم بالعذاب العاجل أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى { أو لم تكونوا } على إضمار القول أي فيقال لهم ذلك. وأقسامهم إما بلسان الحال حيث بنوا شديداً وأملوا بعيداً، وإما بلسان المقال أشراً وبطراً وجهلاً وسفهاً. و{ ما لكم من زوال } جواب القسم. ولو قيل "ما لنا من زوال" على حكاية لفظ المقسمين لجاز من حيث العربية. والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت والفناء أو لا تنتقلون إلى دار أخرى هي دار الجزاء كقوله: { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } [النحل: 38].
ثم زادهم توبيخاً بقوله: { وسكنتم } استقررتم { في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } بالكفر والمعاصي وهم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم { وتبين لكم } بالأخبار والمشاهدة والبيان والعيان { كيف فعلنا بهم } من أصناف العقوبات { وضربنا لكم الأمثال } قال جار الله: أراد صفات ما فعلوا وما فعل بهم وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم. وقال غير: المراد ما أورد في القرآن من دلائل القدرة على الإعادة والإبداء وعلى العذاب المعجل والمؤجل. ثم حكى مكر أولئك الظلمة فقال: { وقد مكروا مكرهم } أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم. وقيل: الضمير عائد إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم كما قال:
{ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } [الأنفال: 30] وقيل: أراد ما نقل أن نمروذ حاول الصعود إلى السماء فاتخذ لنفسه تابوتاً وربط قوائمه الأربع بأربع نسور، وكان قد جوعها ورفع من الجوانب الأربعة على التابوت عصياً أربعاً وعلق على كل واحدة منها قطعة من اللحم، ثم إنه جلس مع صاحبه في ذلك التابوت. فلما أبصرت النسور ذلك اللحم تصاعدت في جو الهواء ثلاثة أيام وغابت الأرض عن عين نمروذ ورأى السماء بحالها، فعكس تلك العصيّ التي عليها اللحوم فهبطت النسور إلى الأرض. وضعفت هذه الرواية لأنه لا يكاد يقدم عاقل على مثل هذا الخطر. { وعند الله مكرهم } إن كان مضافاً إلى الفاعل فالمعنى ومكتوب عند الله مكرهم فيجازيهم عليه بأعظم من ذلك، وإن كان مضافاً إلى المفعول فمعناه وعنده مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يستحقونه فيأتيهم به من حيث لا يشعرون. أما قوله: { وإن كان مكرهم لتزول } من قرأ بكسر اللام الأولى ونصب الثانية فوجهان: أحدهما أن تكون "إن" مخففة من الثقيلة فزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدته أي وإن الشأن كان مكرهم معداً لذلك. وثانيهما أن تكون "إن" نافية واللام المكسورة لتأكيد النفي كقوله: { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [البقرة: 143] والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها أبد الدهر. ومن قرأ بفتح اللام الأولى ورفع الثانية فإن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة، والمعنى كما مر.
ثم إنه سبحانه أكد كونه مجازياً لأهل المكر على مكرهم بقوله: { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } قال جار الله: قدم المفعول الثاني - وهو الوعد - على المفعول الأول ليعلم أنه غير مخلف الوعد على الإطلاق. ثم قال: { رسله } تنبيهاً على أنه إذا لم يكن من شأنه إخلاف الوعد فكيف يخلفه رسله الذين هم صفوته. والمراد بالوعد قوله:
{ إنا لننصر رسلنا } [غافر: 51] { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } [المجادلة: 21] ونحوهما من اللآيات. قوله: { إن الله عزيز ذو انتقام } قد مر في أول "آل عمران" { يوم تبدل الأرض } قال الزجاج: انتصاب يوم على البدل من { يوم يأتيهم } أو على الظرف للانتقام. والأظهر انتصابه باذكر كما مر في الوقوف. ومعنى قوله: { والسموات } أي وتبدل السموات قال أهل اللغة: التبديل التغيير وقد يكون في الذوات كقولك "بدلت الدراهم دنانير" وفي الأوصاف كقولك "بدلت الحلقة خاتماً" إذا أذبتها وسوّيتها خاتماً فنقلتها من شكل إلى شكل. وتفسير ابن عباس يناسب الوجه الثاني قال: هي تلك الأرض وإنما تغير فتسير عنها جبالها وتفجر بحارها وتسوّى فلا يرى فيها عوج ولا أمت، وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبواباً. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدّها مدّ الأديم العكاظي فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً" وهذا القول يناسب مذهب الحكماء في أن الذوات لا يتطرق إليها العدم وإنما تعدم صفاتها وأحوالها. نعم جوزوا انعدام الصور مع أنها جواهر عندهم. وتفسير ابن مسعود يناسب الوجه الأول قال: يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطىء عليها أحد خطيئة. وعن علي كرم الله وجهه: تبدل أرضاً من فضة وسموات من ذهب وعن الضحاك: أرضاً من فضة بيضاء كالصحائف. وقيل: لا يبعد أن يجعل الله الأرض جهنم والسموات الجنة. { وبرزوا لله } قد ذكرناه في أول السورة. وتخصيص { الواحد القهار } بالموضع تعظيم وتهويل وأنه لا مستغاث وقتئذ إلى غيره ولا حكم يومئذ لأحد إلا له يتفرد في حكمه ويقهر ما سواه.
ومن نتائج قهره قوله: { وترى المجرمين يومئذ مقرنين } قرن بعضهم مع بعض لأن الجنسية علة الضم أو مع الشياطين الذين أضلوهم. قالت الحكماء: هي الملكات الذميمة والعقائد الفاسدة التي اكتسبوها في تعلق الأبدان. وقوله: { في الأصفاد } أي القيود إما أن يتعلق بمقرنين وإما أن يكون وصفاً مستقلاً أي مقرنين مصفدين. وقيل: الأصفاد الأغلال. والمعنى قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال. وحظ العقل فيه أن الملكات الحاصلة في جوهر النفس إنما تحصل بتكرير الأفعال الصادرة من الجوارح والأعضاء. { سرابيلهم } جمع سربال وهو القميص { من قطران } هو ما يتحلب أي يسيل من شجر يسمى الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحره وحدّته، وقد تبلغ حرارته الجوف ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار، وقد يستسرج به وهو أسود اللون منتن الريح فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلأوه لهم كالسرابيل فيجمع عليهم اللذع والحرقة والاشتعال والسواد والنتن، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين والوجه العقلي فيه أن البدن بمنزلة القميص للنفس، وكل ما يحصل للنفس من الآلام والغموم فإنما يحصل بسبب هذا البدن، فلهذا البدن لذع وحرقة في جوهر النفس بنفوذ الشهوة والحرص والغضب وسائر آثار الملكات الردية فيه. ومن قرأ { من قطرآن } فالقطر النحاس والصفر المذاب والآني المتناهي حره. قال ابن الأنباري: وتلك النار لا تبطل ذلك السربال ولا تفنيه كما لا تهلك النار أجسادهم والأغلال التي كانت عليهم { وتغشى وجوههم النار } خص الوجه بالذكر لأنه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه فعبر به عن الكل. قوله: { ليجزي } اللام متعلقة بـ { تغشى } أو بجميع ما ذكر كأنه قيل: يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي { الله كل نفس ما كسبت } قال الواحدي: أراد نفوس الكفار لأن ما سبق لا يليق إلا بهم. ويحتمل أن يراد كل نفس مجرمة ومطيعة لأنه تعالى إذا عاقب المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المطيعين لطاعتهم. ثم أشار إلى القرآن إلى ما في السورة أو إلى ما مر من قوله: { ولا تحبسن الله غافلاً } إلى ههنا فقال { هذا بلاغ } كفاية { للناس } في التذكير والموعظة لينصحوا { ولينذروا به } بهذا البلاغ. ثم رمز إلى استكمال القوّة النظرية بقوله: { وليعلموا أنما هو إله واحد } وإلى استكمال القوة العملية بقوله: { وليذكر أولوا الألباب } لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة إلى استكمال النفس بحسب القوتين والله ولي التوفيق.
التأويل: { وإذ قال إبراهيم } الروح { رب اجعل } بلد القلب { آمناً } من وسوسة الشيطان وهواجس النفس وآفات الهوى { واجنبني وبني } هم الفؤاد والسر والخفى { أن نعبد الأصنام } وهو كل ما سوى الله. فصنم النفس الدنيا، وصنم القلب العقبى، وصنم الروح الدرجات العلى، وصنم السر العرفان والقربات، وصنم الخفى الركون إلى المكاشفات والمشاهدات وأنواع الكرامات { ومن عصاني فإنك غفور } فيه نكتتان: إحداهما لم يقل "ومن عصاك" إشارة إلى أن عصيان الله لا يستحق المغفرة والرحمة، والثانية لم يقل "فأنا أغفره وأرحم عليه" لأن عالم الطبيعة البشرية يقتضي المكافأة وإنما المغفرة والرحمة من شأن الغني المطلق { أسكنت من ذريتي } هم صفات الروح والعقل والسر والخفى { بواد غير ذي زرع } وهو وادي النفس { عند بيتك المحرم } على ما سواك وهو كعبة القلب حرام أن يكون بيتاً لغير الله "لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن". وفيه أنه توسل في أجابة الدعاء بمحمد صلى الله عليه وسلم وكأنه قال: إن ضيعت هاجر وإسماعيل فقد ضيعت محمداً. وفي قوله: { ليقيموا الصلاة } إشارة إلى أنه لو لا تعلق الروح بالجسد وحلوله بأرض القالب لم يمكن استكمال الروح بالأعمال البدنية، وأنه لولا غرض هذا الاستكمال لم يحصل ذلك التعلق { فاجعل أفئدة } الصفات الناسوتية { تهوي } إلى الصفات الروحانية { وارزقهم من } ثمرات الصفات اللاهوتية { لعلهم يشكرون } هذه النعمة الجسيمة التي ليس ينالها الملائكة المقربون، وفي هذا سر عظيم لا يمكن إنشاؤه { ربنا إنك تعلم ما نخفي } من حقائق الدعاء { وما نعلن } من ظاهر القصة { وما يخفى على الله من شيء } في أرض المعاملات الصورية ولا في سماء القلوب من الغيوب { على الكبر } أي بعد تعلق الروح بالقالب { إسماعيل } السر { وإسحق } الخفي { مقيم الصلاة } دائم العروج فإن الصلاة معراج المؤمن { ربنا اغفر لي } استرني وامنحني بصفة معرفتك { ولوالدي } من الآباء العلوية والأمهات السفلية لئلا يحجبوني عن رؤيتك يوم يقوم حسابك بكمالية كل نفس ونقصانها لأكون في حساب الكاملين لا في حساب الناقصين. { ولا تحسبن } أي لم يكن { الله غافلاً } في الأزل بل الكل بقضائه وقدره { وإنما يؤخرهم } ليبلغوا إلى ما قدر لهم من الأعمال فإنها مودعة في الأعمار، وبذلك يصل كل من أهل السعادة والشقاوة إلى منازلهم { ما لكم من زوال } فيه من إبطال مذهب التناسخية. زعموا أن نفوسهم لا تزال تتعلق بالأبدان { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا } تعلقتم بأبدان مثل أبدانهم منهمكين في ظلمات الأخلاق الذميمة { وعند الله } مقدار { مكرهم وإن كان مكرهم } بحيث يؤثر في إزالة الجبال عن أماكنها ولكنه لا تحرك شعرة إلا بإذن الله بقضائه { يوم تبدل } أرض البشرية بأرض القلوب فتضمحل ظلماتها بأنوار القلوب، وتبدل سموات الأسرار بسموات الأرواح فإن شموس الأرواح إذا تجلت لكواكب الأسرار انمحت أنوار كواكبها بسطوة أشعة شموسها، بل تبدل أرض الوجود المجازي عن إشراق تجلي أنوار هويته بحقائق أنوار الوجود الحقيقي كما قال:
{ وأشرقت الأرض بنور ربها } [الزمر: 69] وحينئذ { برزوا لله الواحد القهار } فإن شموس الأرواح تصير مقهورة في تجلي نور الألوهية. { وترى المجرمين } يوم التجلي { مقرنين } في قيود الصفات الذميمة لا يستطيعون البروز لله. { سرابيلهم من قطران } المعاصي وظلمات النفوس فهم محجوبون بهما عن الله { وتغشى وجوههم } نار الحسرة والقطيعة { هذا بلاغ للناس } الذين نسوا عالم الوحدة { وليذروا به } قبل المفارقة فإن الانتباه بالموت لا ينفع { وليعلموا أنما هو إله واحد } فيعبدوه ولا يتخذوا إلهاً غيره من الدنيا والهوى والشيطان { وليتذكر أولوا الألباب } عالم الشهود فيخرجوا من قشر الوجود، والله أعلم.