خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٥
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ
٣٦
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٧
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ
٣٨
فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
٣٩
قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
٤٠
قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٤١
-آل عمران

غرائب القرآن و رغائب الفرقان

القراءات: { مني إنك } بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو. { بما وضعت } على الحكاية: ابن عامر ويعقوب وأبو بكر وحماد. الباقون { وضعت } على الغيبة. { وإني أعيذها } بفتح الياء: أبو جعفر ونافع. { وكفلها } مشددة: عاصم وحمزة وعلي وخلف. الباقون خفيفاً { زكريا } مقصوراً كل القرآن: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد. وقرأ أبو بكر وحماد بالمد والنصب ههنا. الباقون بالمد والرفع. { فناديه } بالياء والإمالة: علي وحمزة وخلف. الباقون { فنادته } بتاء التأنيث { في المحراب } بالإمالة حيث كان مخفوضاً. قتيبة وابن ذكوان { إن الله } بكسر "إن": ابن عامر وحمزة. الباقون بالفتح. { يبشرك } وما بعده من البشارة خفيفاً: حمزة وعلي. الباقون بالتشديد { لي آية } بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن شنبوذ عن ابن كثير.
الوقوف: { مني } ج للابتداء ولاحتمال لأنك { العليم } ه { أنثى } ط لمن قرأ { بما وضعت } بتاء التأنيث الساكنة، ومن قرأ على الحكاية لم يقف لأنه يجعلها من كلامها. { بما وضعت } ط { كالأنثى } ج للابتداء بأن، ولاحتمال أن المجموع كلام واحد من قولها على قراءة من قرأ { وضعت } بالضم { الرجيم } ه { حسناً } ص لمن قرأ { وكفلها } مخففاً لتبدل فاعله، فإن فاعل المخفف { زكريا } وفاعل المشدد الرب. وقد يعدى إلى مفعولين كقوله:
{ أكفلنيها } [ص:23] { المحراب } (لا) لأن { وجد } جواب { كلما } { رزقاً } ج لاتحاد فاعل الفعلين مع عدم العاطف { هذا } ط { من عند الله } ط { حساب } ه { ربه } ج لما قلنا في { رزقاً } { طيبة } ج للابتداء ولجواز لأنك { الدعاء } ه { في المحراب } (لا) وإن كسر "إن" لأن من كسر جعل النداء في معنى القول { الصالحين } ه { عاقر } ط { ما يشاء } ه { آية } ط { والإبكار } ه.
التفسير: إنه سبحانه ذكر في هذا المقام قصصاً. القصة الأولى حنة أم مريم البتول زوجة ابن عمران بن ماثان بنت فاقوذ أخت إيشاع التي كانت تحت زكريا بن أذن. روي أن حنة كانت عاقراً لم تلد إلى أن كبرت وعجزت. فبينما هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخاً له، فتحركت نفسها للولد وتمنته فقالت: اللهم إن لك عليّ نذراً شكراً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمته. فحملت بمريم / وهلك عمران وهي حامل. قال الحسن: إنما فعلت ذلك بإلهام الله تعالى كما ألهم أم موسى فقذفته في أليم. عن الشعبي: محرراً مخلصاً للعبادة. وتحرير العبد تخليصه من الرق، وحررت الكتاب إذا أصلحته وخلص من الغلط، ورجل حر إذا كان خالصاً لنفسه ليس لأحد عليه يد وتصرف. قال الأصم: لم يكن لبني إسرائيل غنيمة ولا سبي، وكان في دينهم أن الولد إذا صار بحيث يمكن استخدامه كان يجب عليه خدمة الأبوين. فكانوا بالنذر يتركون ذلك النوع عن الانتفاع ويجعلون الأولاد محررين لخدمة المسجد وطاعة الله تعالى، حتى إذا بلغ الحلم كان مخيراً. فإن أبى المقام وأراد أن يذهب ذهب، وإن اختار المقام فلا خيار له بعد ذلك. ولم يكن نبي إلا ومن نسله محرر في بيت المقدس، وما كان هذا التحرير إلا في الغلمان. لأن الجارية يصيبها الحيض والقذر، ثم إنها نذرت مطلقاً إما لبناء الأمر على الفرض والتقدير، وإما لأنها جعلت النذر وسيلة إلى طلب الولد الذكر. { محرراً } حال من "ما". وعن ابن قتيبة: المعنى نذرت لك أن أجعل ما في بطني محرراً. فلما وضعتها يعني ما في بطنها لأنها كانت أنثى في علم الله، أو على تأويل النفس أو النسمة أو الحبلة. والحبل بفتح الباء مصدر بمعنى المحبول، كما سمي بالحمل، ثم أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه، ومنه الحديث
" نهى عن حبل الحبلة " ومعناه أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة على تقدير أنه يكون أنثى.{ قالت رب إني وضعتها } حال كونها { أنثى } ثم من قرأ { والله أعلم بما وضعت } على الحكاية فمجموع الكلام إلى آخر الآية من قولها، ويكون فائدة قولها { إني وضعتها أنثى } الاعتذار عن إطلاق النذر الذي تقدم منها، والخوف من أنها لا تقع الموقع الذي يعتد به والتحزن إلى ربها والتحسر على ما رأت من خيبة رجائها وعكس تقديرها. ثم خافت أن يظن بها أنها قالت ذلك لإعلام الله تعالى فقالت: { والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى } ليس جنس الذكور كجنس الإناث لا سيما في باب السدانة، فإن تحرير غير الذكور لم يكن جائزاً في شرعهم، والذكر يمكن له الاستمرار على الخدمة دون الأنثى لعوارض النسوان، ولأن الأنثى لا تقوى على الخدمة لأنها محل التهمة عند الاختلاط، ويحتمل أن تكون عارفة بالله واثقة بأن كل ما صدر عنه فإنه يكون خيراً وصواباً فقالت: { رب إني وضعتها أنثى } ولكنك أعرف وأعلم بحال ما وضعت فلعل لك فيه سراً { وليس الذكر } الذي طلبت { كالأنثى } التي وهبت لي لأنك لا تفعل إلا ما فيه حكمة ومصلحة، فعلى هذا اللام في الذكر وفي الأنثى لمعهود حاضر ذهني لكنها في الذكر لحاضر ذهني تقديراً لدلالة ما في بطني عليه ضمناً، وفي الأنثى لحاضر ذهني حقيقة لتقدم لفظة أنثى. ومن قرأ { بما وضعت } بسكون التاء للتأنيث فالجملتان أعني / قوله { والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى } معترضتان. ومعناه والله أعلم بالشيء الذي وضعت لما علق به من عظائم الأمور وجعلها وولدها آية للعالمين وهي جاهلة بذلك. ثم زاده بياناً وإيضاحاً فقال: { وليس الذكر } الذي طلبت { كالأنثى } التي وهبت لها. { وإني سميتها مريم } وذلك أن أباها قد مات عند وضعها فلهذا تولت الأم تسميتها. ومريم في لغتهم العابدة. فأرادت بقولها ذلك التقرب والطلب إلى الله أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقاً لاسمها، ولهذا أردف ذلك بطلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان { فتقبلها ربها } الضمير يعود إلى امرأة عمران ظاهراً بدليل أنها التي خاطبت ونادت بقولها { رب إني وضعتها } ويحتمل أن يعود إلى مريم فيكون فيه إشارة إلى أنه كما رباها في بطن أمها فسيربيها بعد ذلك { بقبول حسن } تقبلت الشيء وقبلته إذا رضيته لنفسك. قبولاً بفتح القاف وهو مصدر شاذ حتى حكي أنه لم يسمع غيره. وأجاز الفراء والزجاج قبولاً بالضم. والباء في قوله { بقبول } بمنزلة الباء في قولك "كتب بالقلم وضربته بالسوط". وفي التقبل نوع تكلف فكأنه إنما حكم بالتقبل بواسطة القبول الحسن. قال في الكشاف: معناه فتقبلها بذي قبول حسن أي بأمر ذي قبول وهو اختصاصها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم يقبل قبلها أنثى في النذر، أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة. قال: ويجوز أن يكون القبول اسم ما يقبل به الشيء كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلدّ وهو الاختصاص، ويجوز أن يكون معناه فاستقبلها مثل تعجل بمعنى استعجل وذلك من قولهم "استقبل الأمر" إذا أخذه بأوله أي فأخذها من أول أمرها حين ولدت بقبول حسن. { وأنبتها نباتاً حسناً } قيل: كانت تنبت في اليوم مثل ما ينبت المولود في عام. وقيل: المراد نماؤها في الطاعة والعفة والصلاح والسداد { وكفلها زكريا } روي أن حنة حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة. فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم. فقال لهم زكريا: أنا أحق بها، عندي خالتها، فقالوا: لا حتى نقترع عليها. فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة والوحي، على أن كل من ارتفع قلمه فهو الراجح. فألقوا ثلاث مرات وفي كل مرة كان يرتفع قلم زكريا وترسب أقلامهم، فأخذها زكريا. فعلى هذه الرواية تكون كفالة زكريا إياها من أول أمرها وهو قول الأكثرين. وزعم بعضهم أنه كفلها بعد أن فطمت ونبتت النبات الحسن على ترتيب الذكور. والأرجح أنها لم ترضع ثدياً قط، وكانت تتكلم في الصغر، وكان رزقها من الجنة، وأن / زكريا بنى لها محراباً وهي غرفة يصعد إليها بسلم. وقيل: هو أشرف المجالس ومقدّمها كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس. وقيل: كانت مساجدهم تسمى المحاريب. والتركيب يدل على الطلب فكان صدر المجلس يسمى محراباً لطلب الناس إياه. وكان إذا خرج غلق عليها سبعة أبواب فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، وذلك قوله عز من قائل { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا } من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آتٍ في غير حينه والأبواب مغلقة؟ قالت { هو من عند الله } فلا تستبعد { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } يحتمل أن يكون من تمام كلام مريم، وأن يكون معترضاً من كلام الله تعالى. واعلم أن الأمور الخارقة للعادة في حق مريم كثيرة فمنها: أنه روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " "ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها " قلت: وذلك لدعاء حنة { وإني أعيذها } ومنه تكلمها في الصغر. ومنها حصول الرزق لها من عند الله كما "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم جاع في زمن قحط فأهدت له صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها رغيفين وبضعة لحم آثرته بها فرجع صلى الله عليه وسلم بها إليها وقال: هلمي يا بنية. فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً فبهتت وعلمت أنها نزلت من عند الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها: أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل. ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته صلى الله عليه وسلم حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو، فأوسعت فاطمة رضي الله عنها على جيرانها" . وفي أمثال هذه الخوارق من غير الأنبياء دليل على صحة الكرامات من الأولياء. والفرق بين المعجزة والكرامة أن صاحب الفعل الخارق في الأول يدعي النبوة، وفي الثاني يدعي الولاية، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعي المعجز ويقطع به، والولي لا يمكنه أن يقطع به، والمعجزة يجب انفكاكها عن المعارضة، والكرامة بخلافها. وقال بعضهم: الأنبياء مأمورون بإظهار المعجزة، والأولياء مأمورون بإخفاء الكرامات أما المعتزلة فقد احتجوا على امتناع الكرامات. بأنها دلالات صدق الأنبياء، ودليل النبوة لا يوجد مع غير النبي كما أن الفعل المحكم لما كان دليلاً على أن فاعله عالم فلا جرم لا يوجد في غير العالم. وأجابوا عن حديث أبي هريرة بعد تسليم صحته أن استهلال المولود صارخاً من مس الشيطان تخييل وتصوير لطمعه فيه، كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول: / هذا ممن أغويه. فمعنى الحديث أن كل مولود فإنه يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها. وهذا المعنى يعم جميع من كان في صفتهما من عباد الله المخلصين. قال في الكشاف: وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً وعياطاً مما يبلون به من نخسه. قلت: وعجيب من مثله مثل هذا هذا الكلام فإنه لا يلزم من الإحساس بمس الشيطان والصراخ منه في وقت الولادة وإنه قريب العهد بعالم الأرواح وبزمان المكاشفة بعيد العهد من عالم الغفلة والإلف بالمحسوسات أن يحس به في وقت آخر ويصرخ على أن أثر مس الشيطان ونخسه يظهر في هيئات النفس وأحوالها، وأنها أمور لا يحس بها إلا بعد المفارقة أو قطع العلائق البدنية، والكلام فيه يستدعي فهمه استعداداً آخر غير العلوم الظاهرية. قال الجبائي: لم لا يجوز أن تكون تلك الخوارق من معجزات زكريا؟ وبيانه أن زكريا دعا لها على الإجمال أن يوصل الله إليها رزقها، وربما كان غافلاً عن تفاصيل ما يأتيها من الأرزاق من عند الله. فإذا رأى شيئاً بعينه في وقت معين قال لها: أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله لا من عند غيره. فعند ذلك يعلم أن الله تعالى أظهر بدعائه تلك المعجزة. ويحتمل أن يكون زكريا يشاهد عند مريم رزقاً معتاداً لأنه كان يأتيها من السماء وكان زكريا يسألها عن ذلك حذراً من أن يكون من عند إنسان يبعثه إليها فقالت: هو من عند الله، لا من عند غيره. على أنا لا نسلم أنه قد ظهر لها شيء من الخوارق، بل كانوا يرغبون في الإنفاق على الزاهدات العابدات. فكان زكريا إذا رأى شيئاً من ذلك خاف أن ذلك الرزق أتاها من حيث لا ينبغي، وكان يسألها عن كيفية الحال. قلت: أمثال هذه الشبهات يوجبها الشك في القرآن وفي الحديث أو العصبية المحضة. على أنا نقول: لو كان معجزاً لزكريا لكان مأذوناً من عند الله في طلبه فكان عالماً بحصوله، وإذا علم امتنع أن يطلب كيفية الحال. وأيضاً كيف قنع بمجرد إخبارها في زوال الشبهة؟ وكيف مدح الله تعالى مريم بحصول هذا الرزق عندها؟ وكيف يستبعد هذا القدر ممن أخبر الله تعالى بأنه اصطفاها على نساء العالمين وقال: { وجعلناها وابنها آية للعالمين } ؟ } [الأنبياء: 91].
القصة الثانية: واقعة زكريا عليه السلام وذلك قوله سبحانه { هنالك } أي في ذلك المكان الذي كانا فيه في المحراب، أو في ذلك الوقت ذلك الوقت الذي شاهد تلك الكرامات فقد يستعار "هنا" و "ثمة" و "حيث" للزمان { دعا زكريا ربه } وهذا يقتضي أن يكون قد عرف في ذلك الزمان أو المكان أمراً له تعلق بهذا الدعاء، فالجمهور من العلماء المحققين على أن زكريا رأى عند مريم من فاكهة الصيف في الشتاء وبالعكس وأن ذلك خارق للعادة، فطمع / هو أيضاً في أمر خارق هو حصول الولد من شيخ كبير ومن امرأة عاقر. وهذا لا يقتضي أن يكون زكريا قبل ذلك شاكاً في قدرة الله تعالى غير مجوّز وقوع الخوارق، فإن من حسن الأدب رعاية الوقت الأنسب في الطلب. وأما المعتزلة فحين أنكروا كرامات الأولياء وإرهاص الأنبياء قالوا: إن زكريا لما رأى آثار الصلاح والعفاف والتقوى مجتمعة في حق مريم تمنى أن يكون له ولد مثلها. قال المتكلمون: إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بعد الإذن لاحتمال أن لا تكون الإجابة مصلحة فحينئذٍ تصير دعوته مردودة وذلك نقص في منصبه. وقول إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون بمجرد التشهي فلا حاجة له في كل دعاء إلى إذن مخصوص، بل يكفي له الإذن في الدعاء على الاطلاق والغالب في دعوته الإجابة، ثم إن وقع الأمر بالندرة على خلاف دعوته فذلك بالحقيقة مطلوبه لأنه يريد الأصلح، ويضمر في دعائه أنه لو لم يكن أصلح لم يبعثه الله عليه ويصرفه عنه. ومعنى قوله: { من لدنك } أن حصول الولد في العرف والعادة له أسباب مخصوصة وكانت مفقودة في حقه. فكأنه قال: أريد منك يا رب أن تعزل الأسباب في هذه الواقعة وتخلق هذا الولد بمحض قدرتك من غير توسيط الأسباب. والذرية النسل يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى والمراد ههنا ولد واحد كما قال:
{ فهب لي من لدنك ولياً } [مريم: 5] قال الفراء: وأنث الطيبة لتأنيث لفظ الذرية في الظاهر. فالتذكير والتأنيث تارة يجيء على اللفظ وأخرى على المعنى، وهذا في أسماء الأجناس بخلاف الأسماء الأعلام فإنه لا يجوز أن يقال: جاءت طلحة، لأن اسم العلم لا يفيد إلا ذلك الشخص، فإذا كان مذكراً لم يجز فيه إلا التذكير. { إنك سميع الدعاء } يعني سماع إجابة. وذلك لما عهد من الإجابة في غير هذه الواقعة كما قال في سورة مريم { ولم أكن بدعائك رب شقياً } [مريم: 4]. { فنادته الملائكة } ظاهر اللفظ للجمع وهذا في باب التشريف أعظم. ثم ما روي أن المنادي كان جبريل فالوجه فيه أنه كقولهم "فلان يركب الخيل ويأكل الأطعمة النفيسة" أي يركب من هذا الجنس ويأكل منه. أو لأن جبريل كان رئيس الملائكة وقلما يبعث إلا ومعه آخرون. { يبشرك بيحيى } يحتمل أن يكون زكريا قد عرف أنه سيكون في الأنبياء رجل اسمه يحيى وله درجة عالية. فإذا قيل له: إن ذلك النبي المسمى بيحيى هو ولدك كان بشارة له، ويحتمل أن يكون المعنى يبشرك بولد اسمه يحيى كما يجيء في سورة مريم { إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } [مريم: 7] وإنه اسم أعجمي كموسى وعيسى، ومن جوز أن يكون عربياً فمنع صرفه للعلمية ووزن الفعل كيعمر. ثم إنه تعالى وصف يحيى بصفات منها: قوله { مصدقاً بكلمة من الله } وهو نصب على الحال لأنه نكرة و"يحيى" معرفة. قال أبو عبيدة: أي مؤمناً بكتاب الله. وسمي الكتاب / كلمة كما قيل: "كلمة الحويدرة" لقصيدته. والجمهور على أن المراد بكلمة من الله هو عيسى. قال السدي: لقيت أم يحيى أم عيسى وهما حاملان بهما. فقالت: يا مريم أشعرت أني حبلى؟ فقالت مريم: وأنا أيضاً حبلى. قالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذاك قوله: { مصدقاً بكلمة من الله } وقال ابن عباس: إن يحيى أكبر سناً من عيسى بستة أشهر، وكان يحيى أول من آمن به وصدّق بأنه كلمة الله وروحه، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى. وسمي عيسى كلمة الله لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله وهي "كن" من غير واسطة أب وزرع كما يسمى المخلوق خلقاً والمرجو رجاء، أو لكونه متكلماً في أوان الطفولية، أو لأنه منشأ الحقائق والأسرار كالكلمة، ولهذا سمي روحاً أيضاً لأنه سبب حياة الأرواح. وقد يقال للسلطان العادل ظل الله ونور الله لأنه سبب ظهور ظل العدل ونور الإحسان، أو لأنه وردت البشارة به في كلمات الأنبياء وكتبهم كما لو أخبرت عن حدوث أمر، ثم إذا حدث قلت قد جاء قولي أو كلامي أي ما كنت أقول أو أتكلم به. ومنها قوله: { وسيداً } والسيد الذي يفوق قومه في الشرف. وكان يحيى فائقاً لقومه بل للناس كلهم في الخصال الحميدة. وقال ابن عباس: السيد الحليم. وقال ابن المسيب: الفقيه العالم. وقال عكرمة: الذي لا يغلبه الغضب. ومنها قوله: { وحصوراً } قيل: أي محصوراً عن النساء لضعف في الآلة، وزيف بأنه من صفات النقص فلا يليق في معرض المدح. والمحققون على أنه فعول بمعنى فاعل وهو الذي لا يأتي النسوان لا للعجز بل للعفة والزهد وحبس النفس عنهن، وفيه دليل على أن ترك النكاح كان أفضل من تلك الشريعة، فلولا أن الأمر بالنكاح والحث عليه وارد في شرعنا كان الأصل بقاء الأمر على ما كان. ومنها قوله: { ونبياً } واعلم أن السيادة لا تتم إلا بالقدرة على ضبط مصالح الخلق فيما يرجع إلى الدين والدنيا. والحصور إشارة إلى الزهد التام وهو منع النفس عما لا يعنيه. روي أنه مر وهو طفل بصبيان يلعبون فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت. فقوله: { ونبياً } أشار به إلى ما عدا مجموع الأمرين فإنه ليس بعدهما إلا النبوة. ثم قال: { ومن الصالحين } أي من أولادهم لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائناً من جملة الصالحين كقوله: { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [البقرة: 130] أو لأن صلاحه كان أتم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " "ما من نبي إلا وقد عصى أو هم بمعصية غير يحيى بن زكريا فإنه لم يعص ولم يهم " وفيه أن الختم على الصلاح هو الغرض الأعظم والغاية القصوى وإن كان نبياً، ولهذا قال سليمان بعد حصول النبوة { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } [النمل: 19] وقال يوسف: { توفني مسلماً وألحقني بالصالحين } [يوسف: 101]. ثم إن الملائكة لما نادوه بما نادوه قال زكريا / مخاطباً لله تعالى ومناجياً إياه { رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر } أدركتني السنون العالية وأثر فيّ طول العمر وأضعفني. قال أهل اللغة: كل شيء صادفته وبلغته فقد صادفك وبلغك وذلك إذا أمكن تصور الطلب من الجانبين. فيجوز بلغت الكبر وبلغني الكبر لأن الكبر كالشيء الطالب للإنسان فهو يأتيه بحدوثه فيه. والإنسان أيضاً يأتيه بمرور العمر عليه. ولا يجوز بلغني البلد في موضع بلغت البلد لأن البلد ليس كالطالب للإنسان الذاهب. { وامرأتي عاقر } هي من الصفات الخاصة بالنساء. ويقال: رمل عاقر لا ينبت شيئاً. فإن قيل: لما كان زكريا هو الذي سأل الولد ثم أجابه الله تعالى إلى ذلك فما وجه تعجبه واستبعاده بقوله: { أنى يكون } من أين يحصل لي غلام؟ فالجواب على ما في الكشاف أن الاستبعاد إنما جاء من حيث العادة. وقيل: إنه دهش من شدة الفرح فسبق لسانه. ونقل عن سفيان بن عيينة أن دعاءه كان قبل البشارة بستين سنة، فكان قد نسي ذلك السؤال وقت البشارة، فلما سمع البشارة في زمان الشيخوخة استغرب وكان له يؤمئذٍ مائة وعشرون سنة أو تسع وتسعون ولامرأته ثمان وتسعون، وعن السدي أن الشيطان جاءه عند سماع البشارة قال: إن هذا النداء من الشيطان وقد سخر منك فاشتبه عليه الأمر ولا سيما أنه كان من مصالح الدنيا ولم يتأكد بالمعجزة فرجع إلى إزالة ذلك الخاطر فسأل ما سأل. والجواب المعتمد أن زكريا لم يسأل عما سأل استبعاداً وتشككاً في قدرة الله تعالى، وإنما أراد تعيين الجهة التي بها يحصل الولد، فإن الجهة المعتادة كانت متعذرة عادة لكبره وعقارتها فأجيب بقوله: { كذلك الله يفعل ما يشاء } وهو إما جملة واحدة أي الله يفعل ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر، أو جملتان فيكون { كذلك الله } مبتدأ وخبراً أي على نحو هذه الصفة الله و{ يفعل ما يشاء } بياناً له أي يفعل ما يريد من الأفاعيل الخارقة للعادات. ثم إنه صلى الله عليه وسلم لفرط سروره وثقته بكرم ربه وإنعامه سأل عن تعيين الوقت فقال: { رب اجعل لي آية } علامة أعرف بها العلوق فإن ذلك لا يظهر من أوّل الأمر فقال تعالى: { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام } أي بلياليها ولهذا ذكر في سورة مريم { ثلاث ليال } [مريم: 10] ومعنى قوله:{ ألا تكلم الناس } قال المفسرون: أي لا تقدر على التكلم. حبس لسانه عن أمور الدنيا وأقدره على الذكر والتسبيح ليكون في تلك المدة مشتغلاً بذكر الله وبالطاعة وبالشكر على تلك النعمة الجسمية، فيصير الشيء الواحد علامة على المقصود وأداء لشكر النعمة فيكون جامعاً للمقاصد. وفي هذه الآية إعجاز من وجوه منها: القدر على التكلم بالتسبيح والذكر مع العجز عن التكلم بكلام البشر. ومنها العجز مع سلامة البنية واعتدال المزاج. ومنها الإخبار بأنه متى حصلت هذه / الحالة فقد حصل الولد. ثم إن الأمر وقع على وفق هذا الخبر. وعن قتادة أنه صلى الله عليه وسلم عوتب بذلك حيث سأل بعد بشارة الملائكة فأخذ لسانه وصبر بحيث لا يقدر على الكلام. قلت: وأحسن العتاب ما كانت منتزعاً من نفس الواقعة ومناسباً لها. وفيه لطيفة أخرى وهي أنه طلب الآية على الإطلاق فاحتمل أن يكون قد طلب علامة للعلوق، واحتمل أن يكون قد طلب دلالة على إحداث الخوارق ليصير علم اليقين عين اليقين، فصار حبس لسانه آية العلوق ودلالة على الفعل الخارق جميعاً مع مناسبته للواقعة حيث سأل ما كان من حقه أن لا يسأل. وزعم أبو مسلم أن المعنى: آيتك أن تصير مأموراً بعدم التكلم ولكن بالاشتغال بالذكر والتسبيح { إلا رمزاً } إشارة بيد أو رأس أو بالشفتين ونحوها. وأصل التركيب للتحرك يقال: ارتمز إذا تحرك ومنه الراموز للبحر، وهو استثناء من قوله: { ألا تكلم } وجاز وإن لم يكن الرمز من جنس الكلام لأن مؤدّاه مؤدى الكلام، ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً. وقيل: الرمز الكلام الخفي. وعلى هذا فالاستثناء متصل من غير تكلف. وقرأ يحيى بن وثاب { إلا رمزاً } بضمتين جميع رموز كرسول ورسل وقرىء { رمزاً } بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم وهو حال منه ومن الناس دفعة بمعنى إلا مترامزين كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم { واذكر ربك كثيراً } قيل: إنه لم يكن عاجزاً إلا عن تكليم البشر. وقيل: المراد الذكر بالقلب وإنه كان عاجزاً عن التكلم مطلقاً { وسبح } حمله بعضهم على صلّ كيلا يكون تكراراً للذكر. وقد تسمى الصلاة تسبيحاً { فسبحان الله حين تمسون } } [الروم: 17] لاشتمالها عليه. والعشيّ مصدر على "فعيل" وهو من وقت زوال الشمس إلى غروبها. والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى وهو مصدر أبكر يبكر إذا خرج للأمر من أول النهار، ومنه الباكورة لأول الثمار. وقرىء بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار.
التأويل: إن لله تعالى في كل ذرة من ذرات الموجودات وحركة من حركاتها أسراراً لا يعلمها إلا الله. فانظر ماذا أخرج الله من الأسرار عن إطعام طائر فرخه، وماذا أظهر من الآيات والمعجزات من تلك الساعة إلى يوم القيامة بواسطة مريم وعيسى { فتقبل مني } راجع إلى المحرر لا إلى التحرير أي تقبلها مني أن تتكفلها وتربيها تربية المحررين { فتقبلها ربها } أي تقبلها ربها أن يربيها { بقبول حسن } كقبول ذكر أو قبولاً أخرج منها مثل عيسى { وكفلها زكريا } من كمال رأفته أنه جعل كفالتها إلى زكريا حيث أراد أن يخرج عيسى منها بلا أب لئلا يدخل عليها غيره فتكون أبعد من التهمة. { وجد عندها رزقاً } أي من فتوحات الغيب الذي يطعم الله به خواص عباده الذين يبيتون عنده لا عند أنفسهم ولا عند الخلق / كقوله صلى الله عليه وسلم:
" أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } ما لم يكن في حسابها من الولد بلا أب، ومن الفاكهة بلا شجرة، ومن المعجزات بلا نبوة، ومن العلوم اللدنية بلا واسطة { هنالك دعا زكريا ربه } كما أنه تعالى جعل إطعام الطائر فرخه سبب تحريك قلب حنة لطلب الولد، فكذلك جعل حالة مريم وما كان يأتيها من الرزق خارقاً للعادة سبب تحريك قلب زكريا { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } أي ولداً يكون روحه من الصف الأول من صفوف الأرواح المجندة، وهو المطهر من لوث الحجاب والوسط الصالح للنبوة والولاية بخلاف الصف الثاني الذي هو لأرواح الأولياء وبينه وبين الله تعالى حجاب الصف الأول، وبخلاف الصف الثالث الذي هو لأرواح المؤمنين، وبخلاف الصف الرابع الذي هو لأرواح المنافقين والمشركين { فنادته الملائكة وهو قائم } بالله { يصلي } بسائر سره في الملكوت يحارب نفسه وهواه { في المحراب إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى } لأنه منذ خلق ما ابتلى بالموت لا بموت القلب بالمعاصي ولا بموت الصورة لأنه استشهد والشهداء لا يموتون بل أحياء عند ربهم يرزقون. { مصدقاً بكلمة من الله } وهي قوله: { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [مريم: 12] { وسيداً } أي حراً من رق الكونين بل سيداً لرقيقي الكونين { وحصوراً } نفسه عن التعليق بالكونين { ونبياً من الصالحين } من أهل الصف الأول { رب أنى يكون لي غلام } لم يكن استبعاده من قبل القدرة الإلهية ولكن من جهة استحقاقه لهذه الكرامة { آيتك ألا تكلم الناس } لغلبات الصفات الروحانية عليك واستيلاء سلطان الحقيقة على قلبك، فإن النفس الناطقة تكون مغلوبة في تلك الحالة بشواهد الحق في الغيب، فلا تفرغ لإجراء عادتها في الشهادة بالكلام { إلا رمزاً } ولهذا يقوى الروح الحيواني وتستمد منه القوة البشرية فيحيى الله تعالى به الشهوة الميتة فسمى ما تولد من الشهوة الميتة التي أحياها الله يحيى. ولاستمرار هذه الحالة في الأيام الثلاثة أمر بالمراقبة ليلاً ونهاراً وعشياً وإبكاراً حسبي الله.