خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
١٨٤
أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
١٨٥
مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١٨٦
يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨٧
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
١٨٨
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٨٩
فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٩٠
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ
١٩١
وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ
١٩٢
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ
١٩٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٩٤
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ
١٩٥
إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ
١٩٦
وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ
١٩٧
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
١٩٨
-الأعراف

غرائب القرآن و رغائب الفرقان

القراءات: { فبأي } بتليين الهمزة حيث كان: الأصفهاني عن ورش وحمزة في الوقف { ويذرهم } بالياء مرفوعاً: أبو عمرو وسهل ويعقوب وعاصم غير عياش والمفضل { ويذرهم } بالياء مجزوماً: عياش وحمزة وعلي وخلف. الباقون: بالنون مرفوعاً { أن أنا إلا } بالمد: أبو نشيط { شركاً } بكسر الشين وسكون الراء: أبو جعفر ونافع وأبو بكر وحماد. الآخرون: { شركاء } على الجميع { يتبعوكم } مخففاً: نافع. الباقون: بالتشديد. { يبطشون } بضم الطاء يزيد { قل ادعوا } بكسر اللام للساكنين وكذا بابه: حمزة وعاصم وسهل ويعقوب وعياش. الآخرون: بالضم للإتباع { كيدوني } بالياء في الحالين: سهل ويعقوب وابن شنبوذ عن قنبل، وافق أبو عمرو ويزيد وإسماعيل والحلواني عن هشام في الوصل { ينظرون } بالياء في الحالين: يعقوب وافق سهل وعياش في الوصل. { إن وليّ الله } بياء واحدة مشددة: أبو زيد عن المفضل وشجاع وعياش إذا قرأ الإدغام الكبير { وليي } بثلاث ياآت: رويس والبرجمي. الباقون: بياءين أولاهما مشددة مكسورة والثانية مفتوحة.
الوقوف: { من جنة } ط { مبين } ه { من شيء } لا لأن التقدير وفي أن عسى { أجلهم } ط لابتداء الاستفهام مع الفاء { يؤمنون } ه { هادي له } ط لمن قرأ { ويذرهم }. بالرفع على الاستئناف، ومن جزم فلا وقف لأنه معطوف على موضع { فلا هادي له }، { يعمهون } ه { مرساها } ط { عند ربي } ج لاختلاف الجملتين { إلا هو } ط { والأرض } ط { بغتة } ط { عنها } ط { لا يعلمون } ه { ما شاء الله } ط { من الخير } ج لاحتمال أن يفسر السوء بالجوع فيكون معطوفاً على جواب "لو". واحتمال أن يفسر بالجنون الذي نسبوه إليه فيكون ابتداء نفي { يؤمنون } ه { إليها } ج لأجل الفاء { فمرت به } ج لذلك { الشاكرين } ه { فيما آتاهما } ج لابتداء التنزيه ووجه الوصل تعجيل التنزيه { يشركون } ه { وهم يخلقون } ه والوصل أولى للعطف { ينصرون } ه { لا يتبعوكم } ط { صامتين } ه { صادقين } ه { يمشون بها } ز لأن "أم" عاطفة مع أنها في معنى ابتداء استفهام للإنكار الثانية والثالثة كذلك { يسمعون بها } ط { ينظرون } ه { الكتاب } ط والوصل أولى لتكون الواو عاطفة { الصالحين } ه { وينصرون } ه { لا يسمعوا } ط { لا يبصرون } ه.
التفسير: إنه تعالى لما بالغ في تهديد الملحدين المعرضين عن آياته الغافلين عن التأمل في بيناته عاد إلى الجواب عن شبهاتهم فقال { أو لم يتفكروا } وإذا علم أن الرؤية بالصبر حالة مخصوصة بالانكشاف والجلاء ولها مقدمة هي تقليب الحدقة إلى جهة المرئي، كذلك رؤية البصيرة وهي المسماة بالعلم واليقين حال متعينة بالوضوح والإنارة ولها مقدمة هي تقليب حدقة القلب إلى الجوانب طلباً لذلك، وهذه الحالة تسمى بنظر العقل وفكرته. وفي اللفظ محذوف والتقدير: أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة وهي حالة من الجنون كالجلسة. كان جهال أهل مكة ينسبونه إلى الجنون لوجهين: أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يغشاه حالة عجيبة عند الوحي شبيهة بالغشي يتربد وجهه ويتغير لونه، والثاني أن فعله وهو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والدعاء إلى الله تعالى كان مخالفاً لفعلهم. وعن الحسن وقتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلاً على الصفا يدعو فخذاً فخذاً من قريش: يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم بأس الله وعقابه. فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون واظب على الصياح إلى الصباح. فأمرهم الله تعالى بالتفكر والتدبر في أمره وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى عبادة الله وحده ويقيم عليهم الدلائل القاطعة بألفاظ فصيحة عجز الأولون والآخرون عن معارضتها، وكان حسن الأخلاق طيب العشرة مرضي السيرة مواظباً على أعمال حسنة، صار بسببها قدوة لعقلاء العالمين، ومن المعلوم بالضرورة أن مثل هذا الإنسان لا يمكن وصفه بالجنون وإنما هو نذير مبين أرسله رب العالمين لترهيب الكافرين وترغيب المؤمنين. ولما كان النظر في أمر النبوة مفرعاً على دلائل التوحيد قال { أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض } أي في مدلولاتهما. والملكوت الملك العظيم، وفي إنكار عدم النظر دلالة على وجوب الاستدلال فيما للعقل إليه سبيل وقد مر في هذا الكتاب كيفية دلالة السموات والأرض على وجود الصانع ولا سيما في سورة البقرة عند قوله
{ إن في خلق السموات والأرض } [البقرة: 164] ثم قال { وما خلق الله من شيء } أي مما يقع عليه اسم الشيء من اجناس غير محصورة. والغرض التنبيه على أن الدلالة على التوحيد ليست مقصورة على السموات والأرض، بل كل ذرة من ذارت هذا العالم. فيها برهان باهر ودليل ظاهر على الوحدانية لأنها مختصة بحيز معين من الأحياز غير المتناهية، وبقدر معين من الأقدار، وبوضع معين من الأوضاع وكذا الكلام في لونها وشكلها وطبعها وطعمها وسائر صفاتها، وكل واحد من هذه الاختصاصات لا بد له من مخصص ولا بد من الانتهاء إلى واجب واحد في ذاته وفي جميع اعتباراته { وأن عسى } هي مخففة من الثقيلة والأصل "وأنه عسى" على أن الضمير للشأن وفي أن يكون ضمير الشأن أيضاً والمعنى: أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى { أن يكون } الشأن { قد اقترب أجلهم } الموت أو القيامة. وإذا كان أحد هذين الاحتمالين قائماً وجب على العاقل المسارعة إلى هذا الفكر والنظر سعياً في تخليص النفس من هذا الخوف الشديد والخطر العظيم، أما قوله { فبأي حديث بعده يؤمنون } فمتعلق بقوله { عسى أن يكون } كأنه قيل: لعل أجلهم قد أقترب فما لهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن قبل الفوت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا. ودلالة في إطلاق لفظ الحديث على القرآن على أنه ليس بقديم لأن المراد بالحديث ما يرادف الكلام، ولو سلم فإنه محمول على الألفاظ والكلمات ولا نزاع في حدوثها، قوله { من يضلل الله } قد سبق تفسير مثله، ثم لما تكلم في النبوة والتوحيد والقضاء والقدر أتبعه الكلام في المعاد فقال { يسألونك عن الساعة } وأيضاً لما ذكر اقتراب الأجل بين أن وقت الساعة مكتوم عن الأفهام ليصير ذلك حاملاً للمكلفين على المسارعة إلى التوبة وأداء الفرائض. ومن السائل؟ عن ابن عباس أنهم اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً فإنا نعلم متى هي. وعن قتادة. إنهم قريش قالوا: يا محمد إن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة. قال في الكشاف. الساعة من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا، سميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو على العكس لطولها كما يقال للحبشي أبو البيضاء، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق و{ أيان } استفهام عن الزمان ويختص بالأمور العظام نحو { أيان مرساها } [النازعات: 42] { أيان يوم الدين } [الذاريات: 12] ولا يقال أيان نمت. وكسر همزته لغة بني سليم. وعن ابن جني أن اشتقاقه من أيّ "فعلان" منه وأيّ فعل من أويت إليه لأن البعض يأوي إلى الكل، وأنكر أن يكون اشتقاقه من "أين" لأنه للزمان و "أين" للمكان ولقلة "فعال" في الأسماء وكثرة "فعلان" فيها. وقال الأندلسي: أصله "أي أو أن" حذفت الهمزة مع الياء الأخيرة فبقي "أيوان" فأدغم بعد القلب. وقيل: أصله "أي آن" بمعنى "أيّ حين" فخفف بحذف الهمزة فاتصلت الألف فاتصلت الألف والنون بأي. ورد بأن "آنا" لا يستعمل إلا بلام التعريف. والمرسى بمعنى الإرساء والإثبات، والرسّو الثبات والاستقرار ولعله لا يطلق إلا على ما فيه ثقل ومنه رسا الجبل وأرست السفينة ولا أثقل من الساعة على الخلائق { قل إنما علمها } أي علم وقت إرسائها وإثباتها وإقرارها { عند ربي } قد استأثر به لم يخبر به أحداً من ملك مقرب ولا نبي مرسل يكاد يخفيها من نفسه ليكون أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى وقت الموت لذلك { لا يجليها } لا يظهرها { لوقتها } أي للخبر عن وقتها قبل مجيئها أحد { إلا هو } والحاصل أنه لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإخبار والإعلام إلا هو { ثقلت في السموات والأرض } قال الحسن: أي ثقل مجيئها على أهل السموات لانشقاق السماء وتكوير الشمس وانتثار النجوم، وعلى أهل اللأرض لأن في ذلك اليوم فناءهم وهلاكهم. أو ثقل هذا اليوم على الخلائق بما فيه من الشدائد والأهوال، أو ثقل تحصيل العلم بوقتها المعين عليهم أي أشكل واستبهم حتى صار ثقيلاً على الأفهام { لا تأتيكم إلا بغتة } إلا فجأة على حين غفلة منكم. وهذه الجمل مؤكدات ومبينات لما تقدمها ولهذا فقد العاطف. عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه" وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة وإن الرجل ليرفع اللقمة إلى فيه حتى تحول الساعة بينه وبين ذلك" . ثم كرر { يسألونك } للتأكيد ولما نيط به من زيادة قوله { كأنك حفي عنها } فكان السؤال الأول عن وقت قيام الساعة، والسؤال الثاني عن كنه ثقل الساعة شدتها ومهابتها ولهذا خص باسم الله في قوله { قل إنما علمها عند الله } لأن أعظم أسماء الله مهابة هو الله، وأما الرب فيدل على التربية والرحمة دون الهيبة والعزة، وفي الحفي وجوه: فقيل إنه البار اللطيف و "عن" بمعنى "الباء" أي كأنك بارّ بهم لطيف العشرة معهم وهذا قول الحسن وقتادة والسدي، والضمير عائد إلى قريش التي ادعت القرابة وجعلوها وسيلة إلى أن يخبرهم بالساعة. والمعنى أنك لا تكون حفياً بهم ما داموا على كفرهم ولو أخبرت بوقتها وأمرت بالإخبار عنها لكنت مبلغه القريب والبعيد من غير تخصيص كسائر ما أوحي إليك. وعلى هذا القول جاز أن يكون { عنها } متعلقاً بـ { يسألونك } أي يسألونك عنها كأنك حفي أي عالم بها فحذف قوله "بها" لطول الكلام أو لأنه معلوم. وقيل: { عنها } يتعلق بمحذوف. وحفي "فعيل" من حفي فلان بالمسألة أي استقصى، والمعنى كأنك بليغ في السؤال عنها لأن من أكثر السؤال علم. وهذا التركيب يفيد المبالغة ومنه إحفاء الشارب، وأحفى في المسألة إذا ألحف. وقيل: المراد كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه وتؤثره يعني أنك تكره السؤال عنها لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أنه مختص بذلك العلم أو لا يعلمون أن القيامة حق وإنما يقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا، أو لا يعلمون السبب الذي لأجله خفيت معرفة وقتها المعين عن الخلق. ثم أمر نبيه بإظهار ذلة العبودية حتى لا ينسب إليه نقص ولا يعاب من قبل عدم العلم بالغيب فقال { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله } وفيه أن قدرته قاصرة وعلمه قليل، وكل من كان عبداً كان كذلك، والقدرة الكاملة والعلم المحيط ليس إلا لله تعالى. واحتجت الأشاعرة بالآية في مسألة خلق الأعمال قالوا: الإيمان نفع والكفر ضر فوجب أن لا يحصلا إلا بمشيئة الله تعالى. وأجابت المعتزلة بأن المراد لا أملك لنفسي من النفع والضر إلا قدر ما شاء الله أن يقدرني عليه ويمكنني منه. وظاهر الآية وإن كان عاماً إلا أنها مخصوصة بصورة النزول. قال الكلبي: إن أهل مكة قالوا: يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح، وبالأرض التي يريد أن تجدب فترتحل عنها إلى ما قد أخصب، فأنزل الله هذه الآية، فالمراد بالخير في قوله { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } هو جلب منافع الدنيا وخيراتها من الخصب والأرباح والأكساب. وقيل: المراد ما يتصل بأمر الدين يعني لو كنت أعلم بالغيب لكنت أعلم أن الدعوة إلى الدين الحق تؤثر في هذا ولا تؤثر في لك فكنت أشتغل بدعوة هذا دون ذاك. وقال بعضهم: "لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق جاء في الطريق ريح نفرت ناقته منها فأخبر صلى الله عليه وسلم بموت رفاعة وكان فيه غيظ للمنافقين وقال: انظروا أين ناقتي. فقال عبد الله بن أبيّ لقومه: ألا تعجبون من هذا الرجل يخبر عن موت رجل بالمدينة ولا يعرف أين ناقته. فقال صلى الله عليه وآله: إن ناساً من المنافقين قالوا كيت وكيت وناقتي في هذا الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فوجدوها على ما قال فنزلت" . أما قوله { وما مسني السوء } فمعناه لكان حالي على خلاف ما هي عليه من المغلوبية في بعض الحروب والخسران في بعض التجارات والأخطاء في بعض التدبير { إن أنا } إلا عبد مرسل للنذارة والبشارة وما من شأني أن أعلم الغيب. وقوله { لقوم يؤمنون } إما أن يتعلق بالبشير وحده ويكون المتعلق بالنذير وهو للكافرين محذوفاً للعلم به كقوله { سرابيل تقيكم الحر } [النحل: 81] أو يتعلق بالوصفين جميعاً إلا أن المؤمنين لما كانوا هم المنتفعين به خصوا بالذكر كقوله { هدى للمتقين } [البقرة: 2] واعلم أن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معاً جاءا بتقديم لفظ الضر على النفع وهو الأصل لأن العابد يعبد معبوده خوفاً من عقابه أولاً ثم طمعاً في ثوابه ثانياً يؤيده قوله { يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } [السجدة: 16] وحيثما تقدم النفع على الضر فذلك لسابقة لفظ تضمن معنى نفع كما في هذه السورة تقدم لفظ الهداية على الضلال في قوله { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل } [الكهف: 17] وتقدم الخير على السوء في قوله { لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } وفي الرعد تقدم ذكر الركوع في قوله { طوعاً وكرهاً } [آل عمران: 83] والطوع نفع. وفي الفرقان تقدم قوله { هذا عذاب فرات } [الفرقان: 53] وهو نفع وفي سبأ تقدم البسط في قوله { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [الرعد: 26] وقس على هذا. ثم رجع إلى تقرير أمر التوحيد وإبطال الشرك فقال { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } والمروي عن ابن عباس أنها نفس آدم وقد تقدم مثل ذلك في أول سورة النساء. قال مجاهد: كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحرث وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث وذلك قوله { فلما آتاهما صالحاً } ولداً سوياً { جعلا } يعني آدم وحوّاء { له شركاء } والمراد تسميته بعبد الحرث وهذا تمام القصة وقد زيفها النقاد بوجوه منها: أنه تعالى قال { فتعالى الله عما يشركون } بلفظ الجمع لا التثنية ومنها قوله { أيشركون ما لا يخلق شيئاً } إلى آخر الآيات وفي ذلك تصريح بأن المراد الأصنام ولو كان المراد إبليس لكان "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهو يخلق"؟. ومنها أن آدم عليه السلام كان عالماً بجميع الأسماء فكيف ضاقت عليه الأسماء، أم كيف لم يعرف أن اسم إبليس كان حارثاً، أم كيف لم يتنبه لغدر إبليس بعد أن جرى عليه منه ما جرى؟ ومنها أنه أراد بذلك اسم علم أو اسم صفة والأوّل لا يستلزم محذوراً إلا أن أسماء الأعلام لا تفيد في المسميات فائدة فلا يلزم الإشراك، والثاني يوجب الكفر الصريح ولا قائل بإمكان نسبته إلى آدم فعند ذلك ذكر العلماء في تأويله وجوهاً: أحدها أن هذا مثل فكأنه تعالى يقول هو الذي خلقكم أي كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنساناً يساويه في الإنسانية يسكن أي تلك النفس، فذكر بعد ما أنث حملاً على المعنى ولأن الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويطمئن إليها فكان التذكير أحسن طباقاً للمعنى { فلما تغشاها } أي جامعها لأنه إذا علاها صار كالغاشية لها { حملت حملاً خفيفاً } قالوا: يريد النطفة. والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الجرة، وبكسر الحاء ما حمل على الظهر أو على الدابة { فمرت به } أي استمرت وقضت على ذلك الحمل من غير إذلاق. وقيل: فقامت وقعدت به من غير ما ثقل. وقيل: المراد بالخفة أنها لم تلق ما تلقاه بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى { فلما أثقلت } كان وقت ثقل حملها ولادتها { دعوا } أي الزوج والزوجة { الله ربهما } ومالك أمرهما الذي هو الحقيق بأن يدعى ويلتجأ إليه فقالا { لئن آتيتنا صالحاً } ولداً قد صلح بدنه أو ولد ذكراً لأن الذكورة من الصلاح والجودة { لنكونن من الشاكرين } لنعمائك { فلما آتاهما صالحاً } كما طلب { جعلا له شركاء } ومن قرأ { شركاً } فعلى حذف المضاف أي ذوي شرك وهم الشركاء أيضاً. أو المراد أحدث لله إشراكاً في الولد لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع، وتارة إلى الكواكب، وتارة إلى الأوثان والأصنام، وثانيها أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم آل قصيّ والمعنى: هو الذي خلقكم من نفس قصي وجعل من جنسها زوجة عربية قرشية، فلما أتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوي سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد قصي وعبد الدار. والضمير في { يشركون } لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك، وثالثها سلمنا أن الآية وردت في قصة آدم إلا أنه لا يجوز أن يكون قوله { جعلا } وارداً بمعنى الاستفهام على سبيل الإنكار والتبعيد؟. ثم قال { فتعالى الله عما يشركون } أي تعالى الله عن شرك هؤلاء المشركين الذين يقولون إن آدم عليه السلام كان يعبد الأصنام ويرجع في طلب الخير ودفع الشر إليها ونظيره أن ينعم رجل على رجل بوجوه كثيرة من الإنعام ثم يقول لذلك المنعم إن ذلك المنعم عليه يقصد إيذاءك وإيصال الشر إليك فيقول ذلك المنعم: فعلت في حق فلان كذا وأحسنت إليه بكذا وكذا ثم إنه يقابلني بالشر والإساءة إنه بريء من ذلك. فغرضه من قوله "إنه يقابلني بالشر" النفي والتبعيد. أو نقول: لم لا يجوز أن يكون قوله { جعلا له } على حذف المضاف أي جعلا أولادهما له شريكاً؟ وكذا فيما { آتاهما } أي آتى أولادهما عبر عنهم بلفظ التثنية مرة لكونهم صنفين أو نوعين ذكراً وأنثى وبلفظ الجمع أخرى وهو قوله { فتعالى الله عما يشركون } سلمنا أن الضمير في { جعلا } وفي آتاهما } لآدم وحواء إلا أنهما كانا عزماً أن يجعلا وقفاً على خدمة الله وطاعته ثم بدا لهما فكانا ينتفعان به في مصالح الدنيا، فأريد بالشرك هذا القدر. وعلى هذا فإنما قال تعالى { عما يشركون } لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين. أو نقول: إنما سمياه عبد الحرث اعتقاداً منهما إنه إنما سلم من الآفات ببركة دعائه، وقد يسمى المنعم عليه عبد المنعم ومنه قول بعض العلماء أنا عبد من علمني حرفاً. فلما حصل الإشراك في لفظ العبد صارا معاتبين بذلك والله تعالى أعلم. ثم أقام الحجة على أن الأوثان لا تصلح للإلهية فقال { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون } اعتبر اللفظ أوّلاً فوحد والمعنى ثانياً، وإنما جمع بالواو والنون بناء على معتقدهم أنهم عقلاء. واحتجت الأشاعرة بها في مسألة خلق الأعمال فإنها تدل على أن غير الله لا يخلق ثم بيّن أن المعبود يجب أن يكون قادراً على إيصال النفع ودفع الضر وهذه الأصنام ليست كذلك فقال { ولا يستطيعون لهم نصراً } وهو المعونة على العدة { ولا أنفسهم ينصرون } ولا يدفعون عن أنفسهم مكروها فإن من أراد كسرهم لم يقدروا على دفعه. والحاصل أن الأصنام لا تنصر من أطاعها ولا تقتص ممن عصاها بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم ويحامون عليهم. ثم ذكر أنها كما لا تنفع ولا تضر فكذلك لا علم لها بشيء من الأشياء وأنها لا يصح منها إذا دعيت إلى الخير والصلاح الاتباع ولا ينفصل حال من يخاطبهم ممن يسكت عنهم فقال { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم } ويجوز أن يكون المراد وإن تطلبوا منهم كما تطلبون من الله الخير لا يتبعوكم إلى مرادكم وطلبتكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله بدليل قوله بعد { فادعوهم فليستجيبوا لكم } ثم قوّى هذا الكلام بقوله { سواء عليكم أدعوتموهم أو أنتم صامتون } وإعرابه شبيه بما تقدم في أول سورة البقرة في قوله { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } [البقرة: 6] وإنما عطف الاسمية على الفعلية لأن هؤلاء المشركين كانوا إذا وقعوا في مهم ومعضلة تضرعوا إلى تلك الأصنام، وإذا لم تحدث تلك الواقعة بقوا ساكتين صامتين فقيل لهم: لا فرق بين إحداثكم دعاءهم وبين أن تستمروا على صمتكم. ثم أكد بيان أنها لا تصلح للإلهية بقوله { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } فسئل أنه كيف يحسن وصف الجمادات بأنها عباد؟ وأجيب بعد تسليم اختصاص العباد بالعقلاء بأن ذلك ورد على معتقدهم أنها عقلاء. وفيه أيضاً نوع من الاستهزاء أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم ولا فضل لهم عليكم فلم قبلتموها آلهة لكم وأرباباً؟. ثم بين عدم التفاضل بقوله { فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } في أنها آلهة ولام الأمر للتعجيز فإنه إذا ظهر لكل عاقل أنها لا تقدر على الإجابة ظهر أنها لا تصلح للعبودية وأنها والعباد سواء بل هم أخس وأدون بدليل قوله { ألهم أرجل يمشون بها } الآية. وذلك أن كل ما هو من شأنه أن يكون له هذه الأعضاء والآلات فإذا كان فيها قوي محركة ومدركة كان هو أفضل ممن خلت أعضاؤه عن هذه القوى فكيف يليق بالأفضل الأكرم الأشرف خدمة المفضول الخسيس الدنيء؟ وإنما قلنا كل ما من شأنه أن يكون له هذه الأعضاء لأن من جل عن ثبوت هذه الأعضاء والجوارح له فعدم هذه الأشياء بالنسبة إليه فضيلة وكمال، فإن القادر القاهر من غير افتقار إلى آلة وعدّة كان أشرف ممن يفتقر في أفعاله إلى الآلات فضلاً عمن لا فعل لآلته، فلا يرد اعتراض بعض أغمار المشبهة أن الله تعالى لو لم تكن له هذه الأعضاء لكان عدمها دليلاً على عدم إلهيته.
ثم إنهم كانوا يخوّفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بآلهتهم كما قال قوم هود
{ أن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } [هود: 54] فقال عز من قائل لنبيه { قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون } أمر من الكيد المكر { فلا تنظرون } نهي عن الإنظار والإمهال والخطاب لهم ولشركائهم جميعاً. وهذا قول واثق بعصمة الله أن لا يبالي بغي الله كائناً من كان. ثم لما أمره صلى الله عليه وسلم بالتبري حثه على التولي فقال { إن وليي } أي ناصري عليكم { الله } الآية. وفيه أن الواجب على كل عامل عبادة الذي يتولى تحصيل منافع الدارين. أما الدينية الأخروية فبسبب إنزال الكتاب المشتمل على العلوم الجمة، وأما الدنيوية فهو المراد بقوله { وهو يتولى الصالحين } أي من عباده أن ينصرهم فلا يضرهم عداوة من عاداهم في ذلك يأس المشركين أن يضره كيدهم. يحكى أن عمر بن عبد العزيز كان لا يدخر لأولاده شيئاً فقيل له في ذلك فقال: إما أن يكون ولدي من الصالحين فوليه الله ولا حاجة له إلى مالي، وإما أن يكون من المجرمين وقد قال تعالى { فلن أكون ظهيراً للمجرمين } ومن رده الله لم أشتغل باصلاح مهماته. أقول: وفي التقريب بالآية الثانية نظر لأنها حكاية كلام موسى اللهم إلا أن يقال التقريب في التقرير. ثم أعاد وصف الأصنام بمثل الصفات المذكورة فقال { والذين تدعون من دونه } الآية. قال الواحدي: إنما أعيد هذا المعنى لأن الأول مذكور على جهة التقريع وهذا مذكور على جهة الفرق بين من يجوز له العبادة وبين من لا يجوز كأنه قيل: الإله المعبود يجب أن يكون بحيث يتولى الصالحين وهذه الأصنام ليست كذلك فلا تكون صالحة للإلهية { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا } لا سماع سمع ولا سماع إجابة { وتراهم } تحسبهم { ينظرون إليك } يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوّروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليك { وهم لا يبصرون } لا يدركون المرئي. وقيل: الضمير في قوله { وإن تدعوهم } إلى آخر الآية يعود إلى المشركين المار ذكرهم في قوله { قل ادعوا } والمراد أنهم بلغوا في الجهل والحماقة إلى أنك لو دعوتهم وأظهرت أنواع الحجة والبرهان لم يسمعوا بعقولهم ألبتة { وتراهم } إلى الناس وإليك ينظرون ولكنهم لشدّة إعراضهم عن قبول الحق لم ينتفعوا بذلك النظر فكأنهم عمي يصدقه قوله في موضع آخر { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [الحج: 46].
التأويل: { أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض } لأرباب العقول النظر والاستدلال لتحصيل الإيمان، ولأرباب القلوب الولوج والكشف لحصول الإيقان والعيان { وما خلق الله من شيء } يعني عالم الملك المخلوق من مادة بخلاف عالم الملكوت الذي أبدع من غير شيء { وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } يعني أجل فنائهم عما سوى الحق، فإن لم يؤمنوا بطريق النظر استدلالاً { فبأي حديث بعده } أي بعد النظر { يؤمنون }، { يسألونك عن الساعة } يريد الساعة التي يظهر الله تعالى فيها آثار صفة القهارية لإفناء عالم الصورة فلا يبقى منه داع ولا مجيب فيجيب هو بنفسه لمن الملك اليوم لله الواحد القهار { لاستكثرت من الخير } من الحياة الأبدية ورفع الحاجات البشرية. { خلقكم من نفس واحدة } هي الروح { وخلق منها زوجها } وهي القلب { يسكن إليها } لأن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن فكان الروح يشم من القلب نسائم نفحات ألطاف الحق { حملت حملاً خفيفاً } في البداية بظهر أدنى أثر من آثار الصفات البشرية في القلب الروحاني { فلما أثقلت } كثرت آثار الصفات خاف الروح والقلب على أنفسهما عن تبدل الصفات الروحانية الأخروية النورانية بالصفات النفسانية الدنيوية الظلمانية { فدعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً } قابلاً للعبودية { لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحاً جعلا } أي الروح والقلب { له شركاء } أي جعلا وجه النفس إلى الدنيا ونعيمها فصارت عبد البطن وعبد الخميصة وعبد الدرهم والدينار. { ولا يستطيعون لهم نصراً } أي لا تستطيع الدنيا ومن فيها للروح والقلب والنفس تقوية وتربية إلا بالله { ولا أنفسهم ينصرون } للبقاء والدوام.