خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
٧٧
وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
٧٨
قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ
٧٩
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
٨٠
قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
٨١
فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ
٨٢
مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ
٨٣
-هود

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً }: الرسُل هنا: الملائكة أضيافُ إِبراهيم.

قال المهدويُّ: والرسُلُ هنا: جبريلُ وميكائيلُ وإِسرافيلُ، ذكره جماعة من المفسِّرين. انتهى، واللَّه أعلم بتعيينهم، فإِن صحَّ في ذلك حديثٌ، صِيَر إِليه، وإِلا فالواجبُ الوقْفُ، و{ سِيءَ بِهِمْ } أي: أصابهُ سُوءٌ، و«الذَّرْع»: مصدرٌ مأخوذٌ من الذِّراع، ولما كان الذراعُ موضعَ قُوَّةِ الإِنسان، قيل في الأمر الذي لا طَاقَةَ له به: ضَاقَ بِهَذَا الأمْرِ ذِرَاعُ فُلاَنٍ، وذَرْعُ فلانٍ، أيْ: حيلته بذراعِهِ، وتوسَّعوا في هذا حتَّى قلبوه، فقالوا: فلانٌ رَحْبُ الذِّرَاع، إِذا وصَفُوه بٱتساع القدرةِ، و{ عَصِيبٌ }: بناء اسمِ فاعلٍ، معناه: يعصب النَّاسَ بالشرِّ، فهو من العِصَابة، ثم كَثُر وصفهم لليَوْمِ بعصيبٍ؛ ومنه: [الوافر]

....................... وَقَدْ سَلَكُوكَ في يَوْمٍ عَصِيبِ

وبالجملة فـــ «عصيب»: في موضع شديدٍ وصعبِ الوطأة، و{ يُهْرَعُونَ } معناه: يُسْرِعون، { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ }: أيْ: كَانت عادتهم إِتيان الفاحشة في الرجال.

وقوله: { هَـؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ }: يعني: بالتزويجِ، وقولهم: { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ }: إِشارة إِلى الأضيافِ، فلما رأَى لوطٌ ٱستمرارَهُم في غَيِّهم، قال: على جهة التفجُّع وٱلاستكانةِ: { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً }.

قال * ع *: «لَوْ أنَّ»: جوابها محذوفٌ، أي: لَفَعَلْتُ كذا وكذا، ويروَى أنَّ الملائكةَ وَجَدَتْ عليه؛ حين قال هذه الكلماتِ، وقالوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطاً لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ فَالْعَجَبُ مِنْهُ لما ٱسْتَكَانَ" .

قال * ع *: وإِنما خشي لوطٌ عليه السلام أنْ يمهل اللَّهُ أولئك العِصَابَةَ حتى يَعْصُوهُ في الأضيافِ، كما أمهلهم فيما قَبْلَ ذلك، ثم إِن جبريل عليه السلام ضَرَبَ القوم بجَنَاحِهِ، فطمس أعينهم، ثم أمروا لوطاً بالسُّرَى، وأعلموه بأنَّ العذاب نازلٌ بالقوم، فقال لهم لوطٌ: فَعَذِّبوهم السَّاعة، فقالوا له: { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ }، أي: بهذا أمَرَ اللَّه، ثم آنسُوه في قَلَقِهِ بقولهم: { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }، و«القِطْع»: القطعة من الليل.

قال * ص *: { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ }: ابن كثيرٍ وأبو عمرٍو بالرفع، والباقون بالنَّصْبِ، فقيل: كلاهما استثناءٌ من { أَحَدٌ }، وقيل: النصب على ٱلاستثناء من { أَهْلِكَ } انتهى.

وقوله سبحانه: { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } ذهبت فرقةٌ، منهم ابن عباس إِلى أَن الحجارة التي رُمُوا بها كَانَتْ كالآجُرِّ المطبوخِ، كانَتْ من طينٍ قد تحجَّر، وأَن سِجِّيلاً معناها: ماءٌ وطينٌ، وهذا القول هو الذي عليه الجمهورُ، وقالت فرقة: «من سِجِّيلٍ»: معناه: مِنْ جهنَّم؛ لأنه يقالُ: سِجّيل وسِجِّين، حَفِظَ فيها بَدَلَ النُّون لاماً، وقيل غير هذا و { مَّنضُودٍ }: معناهُ: بعضه فوق بعض، متتابع، و{ مُّسَوَّمَةً }: أي: مُعْلَمةٌ بعلامة.

وقوله تعالى: { وَمَا هِيَ }: إِشارةٌ إِلى الحِجَارة، والظالمون: قيل: يعني قريشاً، وقيل: يريد عمومَ كلِّ مَن ٱتَّصف بالظُّلْمِ، وهذا هو الأصَحُّ، وقيل: يعني بهذا الإِعلامَ بأَنَّ هذه البلادَ قريبةٌ من مكَّة، وما تقدَّم أَبْيَن.