وقوله سبحانه: { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا... } الآية: { يَغْنَواْ }: معناه: يقيمون بِنَعْمَةٍ وخَفْضِ عيشٍ؛ ومنه المَغَانِي، وهي المنازلُ المعمورةِ بالأهْل، وضمير «فيها» عائد على الديار.
وقوله: { بُعْدًا }: مصدرٌ دعا به؛ كقولك: سُحْقاً للكافرين، وفارَقَتْ هذه قولَهُمْ:
{ { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } [النحل:32]؛ لأن { بُعْدًا } إِخبارٌ عن شيء قد وَجَب وتحصَّل، وتلك إِنما هي دعاء مرتجى، ومعنى البُعْد في قراءة: «بَعِدَتْ» - بكسر العين -: الهلاكُ، وهي قراءة الجمهور؛ ومنه قول خِرْنِقَ بِنْتِ هَفَّانَ: [الكامل] لاَ يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُسُمُّ الْعُدَاةِ وآفَةُ الجُزْرِ
ومنه قولُ مالكِ بْنِ الرَّبيعِ: [الطويل] يَقُولُونَ لاَ تَبْعَدْ وَهُمْ يَدْفِنُوننِيوَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إِلاَّ مَكَانِيَا
وأما من قرأ: «بَعُدَتْ»، وهو السُّلَمِيُّ وأبو حَيْوَةَ فهو من البُعْدِ الذي هو ضدُّ القُرْب، ولا يُدْعَى به إِلا على مبغوضٍ. قال * ص *: وقال ابْنُ الأنباريِّ: من العرب مَنْ يُسَوِّي بين الهلاكِ والبُعْدِ الَّذي هو ضِدُّ القُرْب، فيقولون فيهما: بَعُدَ يَبْعُدُ، وبَعِدَ يَبْعَدُ. انتهى.
وقوله سبحانه: { فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ }: أي: وخالفوا أمْرَ موسَى، { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }، أي: بمرشِدٍ إِلى خير.
وقال * ع *: { بِرَشِيدٍ }: أي: بمصيب في مَذْهَبِهِ { يَقْدُمُ قَوْمَهُ }: أي: يقدمهم إِلى النار، و { ٱلوِرْدُ }، في هذه الآية: هو ورودُ دُخُولٍ.
قال * ص *: والـــ { ٱلوِرْدُ }: فاعلُ «بِئْسَ»، و{ ٱلمَوْرُودُ }: المخصُوصُ بالذَّمِّ، وفي الأول حذْف، أيْ: مَكانُ الورْد، ليطابق المخصُوصَ بالذَّمِّ.
وجوَّز * ع *: وأبو البقاءِ أنْ يكونُ «المَوْرُود» صفةً لمكان الوِرْدِ، والمخصوص محذوفٌ، أي: بِئسٍ مكانُ الوِرْدِ المورودُ النارُ، و«الوِرْد»: يجوز أنْ يكون مصْدراً بمعنى الوُرُود، أو بمعنى الوَارِدَة من الإِبل، وقيل: الوِرْد: بمعنى الجَمْعِ للوَارِدِ، والمَوْرُود: صفةٌ لهم، والمخصُوصُ بالذمِّ ضميرٌ محذوف، أي: بئس القوم المَوْرُود بهم هُمْ، انتهى.
{ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً }: يريد: دارَ الدنيا.
وقوله: { بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } أي: بِئسَ العطاءُ المعطَى لهم، وهو العذابُ، والرِّفْدُ في كلام العرب: العطيَّة.