وقوله: { وَجَاءُو أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ }: أي: وقْتَ العشاءِ، وقرأ الحسن: «عُشى»؛ على مثال «دُجىً»، جمع «عاشٍ»، ومعنى ذلك: أصابهم عشى من البكاء أو شبه العَشَى، إذ كذلك هي عَيْنُ الباكي؛ لأنه يتعاشَى، ومثَّل شُرَيْحَ ٱمرأةً بكَتْ، وهي مبطلةٌ ببكاءِ هؤلاءِ؛ وقرأ الآية، و{ نَسْتَبِقُ }: معناه: على الأقدام، وقيل: بالرمْي، أي: ننْتَضِلُ، وهو نوعٌ من المسابقة؛ قاله الزَّجَّاج، وقولهم: { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا }: أي بمصَدِّق لنا، { وَلَوْ كُنَّا صَـٰدِقِينَ }، أي: ولو كنا موصوفين بالصِّدْقِ، ويحتمل أنْ يكون قولهم: { وَلَوْ كُنَّا صَـٰدِقِينَ }: بمعنى: وإن كنا صادقِينَ في معتَقَدِنا.
وقوله سبحانه: { وَجَاءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ }: روي أنهم أَخَذُوا سَخْلَةً أَوْ جَدْياً، فذبحوه، ولَطَّخُوا به قميصَ يُوسُفَ، وقالوا ليعقوب: هذا قميصه، فأخذه وبكَى ثم تأمَّله، فلم يَرَ خِرَقاً، ولا أثر نابٍ؛ فٱستدلَّ بذلك على كذبهم، وقال لهم: كان الذئْبُ حليماً يأكُلُ يوسُفَ، ولا يخرق قميصَهُ؛ قصَّ هذا القَصَصَ ابن عباس وغيره، وأجمعوا على أنه ٱستدلَّ على كذبهم بصحَّة القميصِ، وٱستَنَدَ الفقهاءُ إِلى هذا في إِعْمَالِ الأماراتِ في مسائِل؛ كالقَسَامة بها في قول مالكٍ إِلى غير ذلك. قال الشعبيُّ: كان في القميصِ ثلاثُ آيات: دلالتُهُ على كذبهم، وشهادَتُهُ في قَدِّه، ورَدُّ بَصَرِ يَعقُوبَ به، ووصف الدَّم بالكَذِبِ الَّذي هو مَصْدَرٌ على جهة المبالغةِ، ثم قال لهم يعقوب: { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ }، أي: رَضيَتْ وجَعَلَتْ سؤلاً ومراداً { أمْراً }، أي: صنعاً قبيحاً بيوسف.
وقوله: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ }: إِما على حذف المبتدأ، أي: فشأني صبرٌ جميلٌ، وإِما على حَذْفِ الخبر، تقديره: فصبرٌ جميلٌ أَمْثَلُ، وجميلُ الصَّبْرِ: أَلاَّ تقع شَكْوَى إِلى بشر، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ بَثَّ، لَمْ يَصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً" . وقوله: { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }: تسليم لأمر اللَّه تعالى، وتوكُّل عليه.