خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ
١٧
مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٨
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
١٩
وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ
٢٠
وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ
٢١
-إبراهيم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ }: عبارةٌ عن صعوبة أمره عليهم، وروي أنَّ الكافر يؤتَى بالشَّرْبة من شراب أهْل النَّار، فيتكَّرهها، فإِذا أدنيَتْ منه، شَوَتْ وجهه، وسقَطَتْ فيها فروة رأسِهِ، فإِذا شربها، قَطَّعت أمعاءه، وهذا الخبر مفرَّق في آيات من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ، { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ }، أي: مِنْ كل شعرة في بَدَنِهِ؛ قاله إِبراهيمُ التَّيْمِيُّ، وقيل: مِنْ جميع جهاته السِّتِّ، { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ }: لا يراحُ بالموت، { وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }: قال الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ العذابُ الغليظ: حَبْسُ الأنفاسِ في الأجسادِ، وفي الحديث: "تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ تَكَلَّمُ بِلَسَانٍ طَلِقٍ ذَلِقٍ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرُ بِهِمَا، وَلَهَا لِسَانٌ تَكَلَّمُ بِهِ، فَتَقُولُ: إِنِّي أُمِرْتُ بِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلٰهاً آخَرَ، وبِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وبِمَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَتَنْطَلِقُ بِهِمْ قَبْلَ سَائِرِ النَّاسِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، فتنطوي علَيْهم، فتقذفُهُمْ في جهنَّم" ، خرَّجه البزَّار، انتهى من «الكوكب الدري».

وقوله: { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } وصف اليوم بالعُصُوفِ، وهي من صفات الريحِ بالحقيقة؛ لما كانت في اليوم، كقول الشاعر: [الطويل]

.......................وَنِمْت وَمَا لَيْلُ المَطِيِّ بِنَائِمِ

وباقي الآية بيِّن.

{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا }: معناه: صاروا في البِرَازِ، وهي الأرضُ المتَّسِعَة، { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ }، وهم الأتْبَاعُ { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ }، وهم القادة وأهْلُ الرأْي، وقولهم: { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } «المحيصُ»: المفرُّ وَالمَلْجَأَ مأخوذٌ منِ حَاصَ يَحيصُ؛ إِذا نفر وفر؛ ومنه في حديث هِرَقْلَ: « فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلى الأَبْوَابِ » وروي عن ابن زيدٍ، وعن محمد بن كَعْب؛ أن أهْلَ النار يقولُونَ: إِنما نال أَهْلُ الجَنَّةِ الرحْمَةَ بالصبر على طاعة اللَّه، فتعالَوْا فَلْنَصْبِرْ، فَيَصْبِرُونَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، فلا ينتفعونَ، فيقولُون: هلمَّ فَلْنَجْزَعْ، فَيَضِجُّونَ ويَصِيحُونَ ويَبْكُونَ خَمْسَمِائَةِ سنة أُخرَى، فحينئذٍ يقولُونَ هذه المقَالَةَ { سَوَاءٌ عَلَيْنَا... } الآية، وظاهر الآية أنهم إِنما يقولونها في مَوْقِفِ العرْض وقْتَ البروز بين يَدَي اللَّه عزَّ وجلَّ.