وقوله عزَّ وجلَّ: { وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ }: المراد هنا بـــ «الشَّيْطَان» إِبليسُ الأَقْدَمُ، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من طريق عُقْبَة بنِ عَامِرٍ، أَنه قال: يقوم يومَ القيَامَةِ خَطيبَان؛ أَحدهما: إِبليسْ يقوم في الكَفَرة بهذه الأَلْفَاظِ، والثاني: عيسَى ابنُ مَرْيَمَ يقومُ بقوله:
{ { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ... } الآية [المائدة:117]، وروي في حديث؛ أنَّ إِبليس إِنما يقوم بهذه الألفاظ في النَّار علَى أهلها عند قولهم: { { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } [إبراهيم:21] في الآية المتقدِّمة؛ فعلى هذه الرواية، يكون معنى قوله: { قُضِيَ ٱلأَمْرُ }، أي: حصل أهْلُ النار في النَّار، وأهْلُ الجنة في الجنة، وهو تأويلُ الطبريِّ. وقوله: { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍ }: أي: من حجة بيِّنة، و{ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ }؛ ٱستثناءٌ منقطعٌ، ويحتملُ أنْ يريد بـــ «السُّلْطان» في هذه الآية: الغلبة والقُدْرة والمُلْك، أي: ما ٱضْطَررتُكُم، ولا خوَّفتكم بقُوَّة منِّي، بلْ عرضْتُ عليكم شيئاً فأَتَى رأْيُكُمْ عليه.
وقوله: { فَلاَ تَلُومُونِي }: يريد: بزعمه؛ إِذ لا ذَنْبَ لي، { وَلُومُواْ أَنفُسَكُم }، أي: في سوء نَظَركم في ٱتِّباعي، وقلَّةِ تثبُّتكم؛ { مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ }: «المُصْرِخُ»: المغيث، والصَّارِخُ: المستغيث، وأما الصَّريخ، فهو مصدَرٌ بمنزلة البَريح، وقوله: { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ }: «ما» مصدريةٌ، وكأنه يقول: إِني الآن كافرٌ بإِشراككم إِيَّايَ مع اللَّه قَبْلَ هذا الوَقْتِ، فهذا تَبَرٍّ منه، وقد قال تعالى:
{ { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } [فاطر:14]. وقوله عزَّ وجلَّ: { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ }: «الإِذن»؛ هنا: عبارةٌ عن القضاء والإِمضاء.