خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ
١٠
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
١١
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ
١٢
لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ
١٤
لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ
١٥
-الحجر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } الآية: تسليةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أيْ: لا يضقْ صدْرُكَ، يا محمَّد، بما يفعله قومُكَ من ٱلاستهزاءِ في قولهم: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ }، وغير ذلك، و«الشيعة»: الفرقة التابعة لرأْسٍ مَّا.

* ت *: قال الفرَّاء { فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } إِنَّه من إِضافة الموصوفِ إِلى صفته كــ { { حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [الواقعة:95]، و { { جَانِبِ الغَرْبِيِّ } [القصص:44]، وتأوَّله البصريُّون على حذف الموصوفِ، أي: شيع الأمم الأولين. انتهى من * ص *

وقوله سبحانه: { كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ * لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ }: يحتمل أنْ يكون الضَّميرُ في { نَسْلُكُهُ } يعودُ على الذكْر المحفوظِ المتقدِّم، وهو القرآن، ويكون الضميرُ في «به» عائداً عليه أيضاً، ويحتمل أن يعود الضميران معاً على الاستهزاء والشرك ونحوه، والباء في «به»: باء السبب، أي: لا يؤمنون بسبب شركهم وٱستهزائهم، ويحتملُ أنْ يكون الضمير في { نَسْلُكُهُ } عائداً على ٱلاستهزاءِ والشركِ، والضمير في «به» عائداً على القرآن، والمعنى، في ذلك كلِّه، ينظر بعضه إِلى بعض، و{ نَسْلُكُهُ }: معناه: ندخله و{ ٱلْمُجْرِمِينَ }؛ هنا: يراد بهم كُفَّار قريش، ومعاصرو النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله: { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } عمومٌ، معناه الخصوصُ فيمن حُتِمَ عليه، وقوله: { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ }: أي: على هذه الوتيرَةِ، { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم }، أي: على قريشٍ وكفَرَةِ العَصْر، والضميرُ في قوله: { فَظَلُّواْ } عائدٌ عليهم، وهو تأويلِ الحَسَنِ، و{ يَعْرُجُونَ }: معناه يَصْعَدُون، ويحتملُ أنْ يعود على الملائكةِ، أي: ولو رأوا الملائكة يَصْعَدُون ويتصرَّفون في بابٍ مفتوحٍ في السماء لما آمنوا، وهذا هو تأويلُ ابنِ عبَّاسٍ، وقرأ السبْعَةُ سِوَى ٱبن كثيرٍ: «سُكِّرَتْ» - بضم السِّين وشدِّ الكاف -، وقرأ ابن كثير بتخفيف الكافِ، تقول العربُ: سَكِرَتِ الرِّيحُ تَسْكَرُ سُكُوراً، إِذا ركَدَتْ، ولم تنفذ لما كانت بسبيله أولاً، وسَكِرَ الرجُلُ من الشَّرابِ، إِذا تغيَّرت حاله وركَدَ، ولم ينفذ لما كان بسبيله أنْ ينفذ فيه، وتقول العرب: سَكَرْتُ البَثْقَ في مجاري المَاءِ سكراً؛ إِذا طَمَسْتَهُ وَصَرَفْتَ الماء عنه، فلم يَنْفذ لوجْهه.

قال * ع *: فهذه اللفظةِ «سُكِّرَتْ» - بشدِّ الكافِ - إِن كانَتْ من سُكْرِ الشراب، أوْ من سُكُور الريحِ، فهي فعلٌ عُدِّيَ بالتضعيفِ، وإِن كانَتْ من سكرِ مجاري الماءِ، فتضعيفُها للمبالغة، لا للتعدِّي، لأن المخفَّف من فعله متعدٍّ، ومعنى هذه المقالةِ منهم: أي: غُيِّرَتْ أبصارنا عما كانَتْ عليه، فهي لا تنفذ وتعطينا حقائقَ الأشياءِ: كما كانَتْ تفعلُ.