خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
١١٨
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ
١١٩
وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٢٠
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالَىٰ: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ... } الآية: قال الربيعُ والسُّدِّيَّ: هم كفار العرب، وقد طلب عبد اللَّه بن أمية وغيره من النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وقال مجاهدٌ: هم النصارَىٰ، وقال ابن عباس: المراد من كان على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم من اليهود؛ لأنَّ رافع بن حُرَيْمِلَةَ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَسْمِعْنَا كَلاَمَ اللَّهِ، وقيل: الإشارة إلى جميع هذه الطوائف؛ لأنهم كلهم قالوا هذه المقالة، و { لَوْلاَ } تحضيضٌ بمعنى «هَلاَّ»، والآية هنا العلامة الدالَّة، و { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } هم اليهودُ والنصارَىٰ في قول من جعل { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } كفَّارَ العرب، وهم اليهودُ في قول مَنْ جعل { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } النصارَى، وهم الأمم السالفة في قول من جعل { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون } العربَ النصارَىٰ واليهُودَ وتشابه القلوب هنا في طَلَب ما لا يَصِحُّ أوفى الكفر.

وقوله تعالى: { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم، وقرينةٌ أخرى أنَّ الكلام مدْحٌ لهم.

وقوله تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيرًا }، أي: لمن آمن، ونذيراً لمن كفر، وقرأ نافع وحده ولا تسأل، أي: لا تسأل عن شدَّة عذابهم؛ كما تقول: فلانٌ لا تَسْأَلْ عَنْه، تعني أنه في نهاية تشهره من خيْرٍ أو شرٍّ.

* ت *: وزاد في «مختصر الطبرِّي»، قال: وتحتمل هذه القراءة معنى آخر، وهو، واللَّه أعلم، أظهر، أي: ولا تسأل عنهم سؤالَ مكْتَرِثٍ بما أصابهم، أو بما هم عليه من الكُفْر الذي يوردهم الجحيمَ؛ نظيرَ قوله عز وجل: { { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَٰتٍ } [فاطر:8]، وأما ما روي عن محمَّد بن كعب القُرَظِيِّ ومن وافقه؛ من أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ، مَا فَعَلَ أَبَوَايَ؟ فنَزَلَتِ الآيةُ في ذلك، فهو بعيدٌ، ولا يتصل أيضاً بمعنى مَا قبله. انتهى.

وقرأ باقي السبعة: «وَلاَ تُسْأَلُ»؛ بضم التاء واللام.

و { الجَحِيمِ }: إحدى طبقات النار.

وقوله تعالى: { إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ }، أي: ما أنت عليه يا محمَّد من هدى اللَّه هو الهدَى الحقيقيُّ، لا ما يدعيه هؤلاء، ثم قال تعالى لنبيِّه: { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ ٱلَّذِي جَاءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَـا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } فهذا شرط خوطب به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأمته معه داخلةٌ فيه.

* ت *: والأدب أن يقال: خُوطِبَ به صلى الله عليه وسلم والمراد أُمَّتُهُ؛ لوجودِ عصمته صلى الله عليه وسلم وكذلك الجواب في سائر ما أشبه هذا المعنَىٰ من الآيِ، وقد نبَّه - رحمه اللَّه - علَىٰ هذا المعنَىٰ في نظيرتها؛ كما سيأتي، وكان الأولَىٰ؛ أن ينبِّه علَىٰ ذلك هنا أيضاً، وقد أجاب عِيَاضٌ عن الآيِ الواردةِ في القرآن ممَّا يوهمُ ظاهره إِشكالاً، فقال - رحمه اللَّه -: ٱعْلَمْ، وفَّقنا اللَّه وإياك، أنه - عليه السلام - لا يصحُّ ولا يجوز علَيْه ألاَّ يبلغ، وأن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك ولا أن يتقوَّل على اللَّه ما لا يجبُ أو يفترى عليه، أو يضل، أو يختم علَىٰ قلبه، أو يطيع الكافرين، لكن اللَّه أمره بالمكاشفةِ والبيان في البلاغ للمخالِفِينَ، وإن إِبلاغه، إِنْ لم يكُنْ بهذا البيان فكأنه ما بلَّغ، وطيَّب نفسه، وقوَّى قلبه بقوله تعالَىٰ: { { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } } [المائدة:67] كما قال لموسَىٰ وهارون - عليها السلام: { لاَ تَخَافَا } [طه:46] لتشتد بصائرهم في الإِبلاغ وإِظهار دين اللَّهِ، ويذهب عنهمْ خَوْفُ العدوِّ المضعف لليقين، وأما قوله تعالى: { { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ... } [الحاقة:44] وقوله { إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ } [الإسراء:75] فمعناه: أنَّ هذا هو جزاء من فعل هذا، وجزاؤك لو كنت ممن يفعله، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعله، وكذلك قوله تعالَى: { { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } } [الأنعام:116] فالمراد غيره، كما قال: { { إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } [آل عمران:149] وقوله: { { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } [الشورى:24] وَ { { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر:65] وما أشبهه، فالمراد غيره، وأن هذا حال مَنْ أشرك، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَجُوزُ عليه هذا، وقوله تعالَى { ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [الأحزاب:1] فليس فيه أنه أطاعهم، واللَّه يَنْهَاهُ عما يشاء، ويأمره بما يشاء؛ كما قال تعالَىٰ: { { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } [الأنعام:52] الآية، وما كان طَرَدَهُمْ - عليه السلام - ولا كَانَ من الظالمين. انتهى من «الشِّفَا».

* ص *: { وَلَئِنِ }: هذه اللام هي الموطِّئة والموذنةُ، وهي مشعرةٌ بِقَسَمٍ مقدَّر قبلها. انتهى.