خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ
١٨٠
فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٨١
فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٨٢
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ... } الآية: { كُتِبَ }: معناه: فُرِضَ وأُثْبِتَ، وفي قوله تعالَىٰ: { إِذَا حَضَرَ } مجازٌ؛ لأن المعنى: إِذا تخوَّف وحضرتْ علاماتُهُ.

والخير في هذه الآية: المالُ، واختُلِفَ في هذه الآية، هل هي مُحْكَمَةٌ، أو منسوخةٌ، فقال ابنُ عبَّاس، وقتادةُ، والحَسَن: الآيةُ عامَّة، وتقرَّر الحكم بها برهةً، ونسخ منها كلّ من يرث بآية الفرائض، وقال بعضُ العلماء: إِن الناسخ لهذه الآية هي السُّنَّة المتواترةُ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَىٰ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" .

و { بِٱلْمَعْرُوفِ }: معناه بالقصد الَّذي تعرفه النفوسُ دون إِضرار بالورثة، ولا تَنْزِير للوصية و { حَقّاً }: مصدر مؤكِّد، وخُصَّ «المتقون» بالذكر؛ تشريفاً للرتبة؛ ليتبادر النَّاس إِليها.

وقوله تعالى: { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ... } الآية: الضمير في «بَدَّلَهُ» عائدٌ على الإيصاء، وأمر الميت، وكذلك في «سَمِعَهُ»، ويحتمل أن يعود الذي في «سَمِعَهُ» على أمر اللَّه تعالَىٰ في هذه الآية، والأول أسبق للناظر، و { سَمِيعٌ عَلِيمٌ }: صفتان لا يخفَىٰ معهما شيْءٌ من جَنَفِ الموصِينَ، وتبديلِ المتعدينَ، والجَنَفُ: الميل.

ومعنى الآية علَىٰ ما قال مجاهد: من خشي أن يحيف الموصِي، ويقطع ميراث طائفة، ويتعمَّد الإِذاءة، فذلك هو الجَنَفُ في إِثم، وإِن لم يتعمَّد، فهو الجنف، دون إِثم، فالمعنى: مَنْ وعظه في ذلك وردَّه عنه، وأصلح ما بينه وبين ورثَتِهِ، وما بين الورثة في ذاتهم، فلا إِثم عليه؛ { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بالموصِي، إِذا عملت فيه الموعظة، ورجع عما أراد من الإذاءة.

وقال ابن عبَّاس وغيره: معنى الآية: { مَنْ خَافَ }، أي: علِم، ورأَىٰ بعد موت الموصِي؛ أن الموصِيَ حَافَ، وجَنَف، وتعمَّد إذاءة بعض ورثته، { فَأَصْلَحَ } ما بين الورثة، { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ }، وإِن كان في فعله تبديلٌ مَّا؛ لأنه تبديلٌ لمصلحة، والتبديلُ الذي فيه الإِثم إِنما هو تبديلُ الهَوَىٰ.