خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
٣٩
يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ
٤٠
وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ
٤١
-البقرة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... }: لما كانت لفظة الكُفْرِ يشترك فيها كفر النعمِ، وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلودٌ، بيَّن سبحانه أن الكفر هنا هو الشرك، بقوله: { وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا... } والآياتُ هنا يحتمل أن يريد بها المتلوَّة، ويحتمل أن يريد العلاماتِ المنصوبَةَ، والصُّحْبَةُ الٱقترانُ بالشيْءِ في حالةٍ مَّا زَمَنًا.

قوله تعالَىٰ: { يَـٰبَنِي إِسْرَٰءِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ }: إسْرَائِيلَ: هو يَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ـــ عليهم السلام ـــ وإِسْرَا: هو بالعبرانية عبد، وإِيلُ: اسم اللَّه تعالَىٰ، فمعناه عَبْدُ اللَّهِ، والذِّكْرُ في كلام العَرَبِ على أنحاء، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضدّ النسيان، والنعمة هنا اسم جنس، فهي مفردة بمعنى الجَمْعِ، قال ابن عَبَّاس، وجمهور العلماء: الخِطَابُ لجميع بني إسرائيل في مدَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ }: أمر وجوابه، وهذا العهد في قول جمهور العلماءِ عامٌّ في جميع أوامره سبحانه ونواهيه ووصاياه لهم، فيدخل في ذلك ذكر محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي في التوراة، والرهبةُ يتضمَّن الأمر بها معنى التهديد، وأسند الترمذيُّ الحَكِيمُ في «نَوَادِرِ الأُصُولَ» له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "قَالَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ: لاَ أَجْمَعُ عَلَىٰ عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، فَمَنْ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا، أَخَفْتُهُ فِي الآخِرَةِ" . انتهى في «التذكرة» للقرطبيِّ، ورواه ابن المبارك في «رَقَائِقِهِ» من طريق الحسن البصريِّ، وفيه: "قَالَ اللَّهُ: وَعِزَّتِي، لاَ أَجْمَعُ عَلَىٰ عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ؛ فَإذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَإذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" . انتهى، ورواه أيضاً الترمذيُّ الحكيمُ في كتاب «خَتْمِ الأَوْلِيَاءِ» قال صاحب «الكَلِمِ الفَارِقِيَّةِ، والحِكَمِ الحقيقيَّة»: «بقدر ما يدخل القلْبَ من التعظيم والحرمة تنبعثُ الجوارحُ في الطاعةِ والخدمة». انتهى.

و { ءَامِنُواْ }: معناه: صدِّقوا، و { مُصَدِّقاً } نصبٌ على الحال من الضمير في { أَنزَلْتُ }، و { مَا أَنزَلْتُ } كنايةٌ عن القرآن، و { لِّمَا مَعَكُمْ }، يعني: التوراةَ.

وقوله: { وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكورُ فيه والمسكوتُ عنه حكُمُهما واحدٌ، وَحُذِّرُوا البدارَ إلى الكفر به؛ إِذ على الأول كِفْلٌ من فعل المقتدى به، ونصب «أَوَّلَ» على خبر «كَانَ».

* ع *: وقد كان كَفَر قبلهم كفار قريشٍ، وإِنما معناه من أهل الكتاب؛ إِذ هم منظورٌ إِليهم في مثل هذا، واختلف في الضمير في «به»، فقيل: يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقيل: على القرآن، وقيل: على التوراة، واختلف في الثمن الذي نُهُوا أن يشتروه بالآياتِ.

فقالتْ طائفةٌ: إن الأحبار كانوا يُعلِّمُونَ دينَهم بالأجرة، فَنُهُوا عن ذلك، وفي كتبهم: «عَلِّمْ مَجَّاناً؛ كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً»، أي: باطلاً بغير أجرة.

وقيل: كانتْ للأَحبار مأكلة يأكلونها على العِلْمِ.

وقال قوم: إن الأحبار أخذوا رُشاً علَىٰ تغييرِ صفَةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم في التوراة، فنُهُوا عن ذلك.

وقال قوم: معنى الآية: ولا تشتروا بأوامري، ونواهِيَّ، وآياتي ثمناً قليلاً، يعني: الدنيا ومدَّتها والعيش الذي هو نزْرٌ لا خَطَر له، وقد تقدَّم نظير قوله: { وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ }، وبيْنَ «ٱتَّقُونِ»، و «ٱرْهَبُونِ» فرق إن الرهبة مقرونٌ بها وعيدٌ بالغٌ.