قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّنْ رَّبّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }: اختلف المتأوِّلون من المراد بهذه الآية والتي قبلها، فقال قوم: الآيتان جميعاً في جميع المؤمنينَ، وقال آخرون: هما في مُؤْمِنِي أهْلِ الكتاب، وقال آخرون: الآية الأولَىٰ في مُؤْمِنِي العربِ، والثانيةُ في مؤمني أهل الكتاب؛ كعبد اللَّه بن سَلاَمٍ؛ وفيه نزلت.
وقوله: { بِمَا أَنْزِلَ إِلَيْكَ }: يعني القرآن، { وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ }، يعني: الكتب السالفة، و { يُوقِنُونَ } معناه: يعلَمُونَ عِلْماً متمكِّناً في نفوسهم، واليقين أعلَىٰ درجات العلم.
وقوله تعالَىٰ: { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّنْ رَّبِّهِمْ } إِشارة إِلى المذكورين، والهُدَىٰ هنا: الإِرشاد، والفلاحُ: الظَّفَر بالبغية، وإدراك الأمل.
قوله تعالَىٰ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ } إلى { عَظِيمٌ }: اختلف فيمن نزلَتْ هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامَّة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها، فقال قوم: هي فيمن سبق في علْمِ اللَّه، أنه لا يؤمِنُ، وقال ابن عَبَّاسٍ: نزَلَتْ في حُيَـــيٍّ بْنِ أَخْطَبَ، وأَبِي ياسِرِ بنِ أَخْطَبَ، وكعب بن الأَشْرَفِ، ونظرائهم.
والقولُ الأول هو المعتمد عليه.
وقوله: { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ } معناه: معتدلٌ عندهم، والإِنذار: إعلام بتخويف، هذا حدُّه، وقوله تعالى: { خَتَمَ }: مأخوذ من الخَتْم، وهو الطبعُ، والخاتَمُ: الطابَعُ؛ قال في مختصر الطبريِّ: والصحيح أن هذا الطبع حقيقة.......... لا أنه مجاز؛ فقد جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ العَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً، نُكِتَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ، وَنَزَعَ وَٱسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ، زَادَتْ؛ حَتَّىٰ تَغَلَّقَ قَلْبُهُ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [المطففين:14]" انتهى. والغِشَاوَةُ: الغطاء المغشي الساتر، وقوله تعالَىٰ: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }: معناه: لِمخالفتِكَ يا محمَّد، وكفرِهِمْ باللَّهِ، و { عَظِيمٌ }: معناه بالإضافة إِلى عذابٍ دونه.