قوله تعالَىٰ: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ... } إِلَى { وَمَا يَشْعُرُونَ }. هذه الآية نزلت في المنافقين، وسَمَّى اللَّهُ تعالَىٰ يوم القيامة اليَوْمَ الآخِرَ؛ لأنه لا ليل بعده، ولا يقالُ يوم إِلا لما تقدَّمه ليل، واختلف المتأوِّلون في قوله: { يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ }، فقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى يُخَادِعُون رسول اللَّه، فأضافَ الأمرَ إلى اللَّه تجوُّزاً؛ لتعلُّق رسوله به، ومخادعتُهم هي تحيُّلهم في أن يُفْشِيَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إليهم أسرارهم.
* ع *: تقول: خادَعْتُ الرجُلَ؛ بمعنى: أعملْتُ التحيُّل عليه، فَخَدَعْتُهُ، بمعنى: تمَّت عليه الحيلة، ونفذ فيه المرادُ، وقال جماعةٌ: بل يخادعون اللَّهَ والمؤمنين؛ بإِظهارهم من الإِيمان خلافَ ما أبطنوا من الكفر، وإِنما خدعوا أنفسهم؛ لحصولهم في العذاب، { وَمَا يَشْعُرُونَ } بذلك، معناه: وما يعلمون علْمَ تفطُّن وتَهَدٍّ، وهي لفظة مأخوذة من الشِّعَار؛ كأن الشيء المتفطَّن له شعار للنَّفْس، وقولهم: لَيْتَ شِعْرِي: معناه: ليت فطنتي تُدْرِكُ.
واختلف، ما الذي نَفَى اللَّه عنهم أنْ يشعروا له؟ فقالت طائفة: وما يَشْعُرُونَ أنَّ ضرَرَ تلْكَ المخادَعَةِ راجعٌ عليهم؛ لخلودهم في النَّار، وقال آخرون: وما يَشْعُرُونَ أنَّ اللَّه يكشف لك سِرَّهم ومخادعتهم في قولهم: { ءَامَنَّا }.
قوله تعالَىٰ: { فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ }، أي: في عقائدهم فسادٌ، وهم المنافقون، وذلك إما أن يكون شكًّا، وإما جحدًا بسبب حسدهم مع علمهم بصحَّة ما يجحدون، وقال قوم: المَرَضُ غمُّهم بظهوره صلى الله عليه وسلم، { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا }، قيل: هو دعاءٌ عليهم، وقيل: هو خبر أنَّ اللَّه قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحْيِ، ويظهر من البراهين.
* ت *: لما تكلَّم. * ع *: علَىٰ تفسير قوله تعالَىٰ:
{ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ ٱلسَّوْءِ } [الفتح:6]. قال: كل ما كان بلفظ دعاء من جهة اللَّه عزَّ وجلَّ، فإِنما هو بمعنى إيجاب الشيء؛ لأنَّ اللَّه تعالى لا يدعو علَىٰ مخلوقاته، وهي في قبضته، ومن هذا: { { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } [الهمزة:1]، { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [المطففين:1]، وهي كلها أحكام تامَّة تضمنها خبره تعالَىٰ: { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، أي: مؤلم، { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } أي: بالكفر وموالاةِ الكفرةِ؛ ولقول المنافقين: { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } ثلاثُ تأويلاتٍ: أحدها: جحد أنهم يفسدون، وهذا استمرار منهم على النِّفاق.
والثاني: أنّ يقروا بموالاة الكُفَّار ويدَّعون أنها صلاحٌ؛ من حيث هم قرابةٌ توصل.
والثالث: أنهم يصلحون بين الكفار والمؤمنين.
و «أَلاَ»: استفتاحُ كلامٍ، و «لكن»: حرف ٱستدراكٍ، ويحتمل أن يراد هنا: لا يَشْعُرُونَ أنهم مفسدون، ويحتمل أن يراد: لا يشعرون أن اللَّه يفْضَحُهم.