وقوله سبحانه: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} يريد من الأَرض {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} أَيْ: بالموت، والدفن. {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} أيْ: بالبعث ليوم القيامة.
وقوله: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا} إخبار لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله {كُلَّهَا} عائد على الآيات التي رآها فرعون، لا أنه رأى كلَّ آية للَّه عز وجل وإنما المعنى: أن اللَّه أراه آيات ما؛ كاليد، والعصا، والطّمْسة، وغير ذلك. وكانت رؤيتُه لهذه الآياتِ مستوعبة يرى الآياتِ كلَّها كاملةً. ومعنى {سُوىً} أَيْ: عَدْلاً ونصفَه، أي: حالنا فيه مُستَوِيَة.
وقالت فرقة: معناه مستوياً من الأرض؛ لا وهْدَ فيه، ولا نشز، فقال موسَى: {موعدكم يوم الزينة} وروي. أَنَّ يوم الزينة كان عيداً لهم، ويوماً مشهوراً.
وقيل: هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم.
وقوله: {وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ} عطفاً على {ٱلزِّينَةِ}؛ فهو في موضع خفض.
{فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي: جمع السحرةَ، وأمرهم بالاِسْتعدَادِ لموسى، فهذا هو كيدُه.
{ثُمَّ أَتَىٰ} فرعونُ بجمعه، فقال موسى للسحرة: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً} وهذه مُخَاطَبةُ مُحَذّر، وندبَهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه، أَلاَّ يباهتوا بكذب؛ {فَيُسْحِتَكُم} أيّ: فيهلككم، ويذهبكم، فلما سمع السَّحَرَةُ هذه المقالةَ، هالهم هذا المنزع، ووقع في نفوسهم من هَيْبتِه شديد الموقع. و {تَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ} والتنازُعُ يقتضي ٱختلافاً كان بينهم في السرِّ؛ فقائلٌ منهم يقول: هو محقٌّ، وقائل يقول: هو مُبْطل، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى عليه السلام و {ٱلنَّجْوَىٰ} المسارة، أي: كل واحد يناجي مَنْ يليه سِرّاً؛ مخافةً من فرعون أن يتبين له فيهم ضعف.
وقالت فرقة: إنما كان تناجِيهم بالآية التي بعد هذا.
{إِنْ هَـٰذَانِ لَسَـٰحِرَٰنِ} قرأ نافعٌ، وابنُ عامرٍ، وحمزةُ والكسائيُّ: «إنَّ هذان لساحران» فقالت فرقةٌ: قوله: «إِن» بمعنى: نعم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم إن الحمدُ للَّه، برفع الحمد.
وقالت فرقةٌ: إنّ هذه القراءةَ على لغةِ بَلْحَارِث بن كعْب، وهي إبقاء ألف التثنية في حال النَّصْبِ، والخِفْضِ، وتُعْزىٰ هذه اللغة لكِنَانةَ، وتُعْزى لخثْعَم.
وقال الزجاج: في الكلام ضميرٌ تقديره: إنه هذان لساحران
وقرأ أبو عَمْرو وَحْدَه: «إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ».
وقرأ ابنُ كثيرٍ: «إنْ هَذَانِّ لسَاحِرَانِّ» بتخفيف إنَّ، وتشديد نون هذان لساحران.
وقرأ حفصٌ عن عاصِمٍ: «إنْ» بالتخفيف «هَذَانِ» خفيفة أَيْضاً «لَسَاحِرَانِ».
وعبّر كَثيرٌ من المفسرين عن الطريقة بالسادة أهْل العَقْل والحِجَا؛ وحكوا أن العرب تقول: فلانٌ طريقَةُ قومِه، أيْ: سيدهم، وإلا ظهر في الطريقة هنا أَنها السِّيرة، والمملكة، والحال الَّتي كانُوا عليها.
و {المُثْلَىٰ} تأنِيث أَمثل، أي: الفاضلة الحسنة.
وقرأَ جمهورُ القرَّاء: «فأَجْمِعوا»: بقطْع الهمزة، وكسْرِ الميم؛ على معنى: ٱنفذُوا، وٱعزِمُوا.
وقرأ أو عمرو وَحْدَهُ «فَٱجْمَعُوا» من جمع، أي: ضموا سِحْركم بعضه إلى بعض.
وقوله {صفا} أي: مصطفين، وتداعوا إلى هذا؛ لأنه أهْيب، وأظهر لهم، {وأفْلَحَ} معناه: ظفر بِبُغْيَته، وباقي الآية بيِّن مما تقدم.