خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
٢٧
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
٢٨
وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٢٩
أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ
٣٠
وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
٣١
وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ
٣٢
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
٣٣
-الأنبياء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه وتعالى: { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } عبارةٌ عن حُسْن طاعتهم ومُرَاعَاتِهمْ لامتثالِ الأمر، ثم أَخْبَرَ تعالى: أَنَّهُم لا يشفعون إلاَّ لِمَنِ ارتضى اللَّه أَنْ يشْفَعَ له، قال بعضُ المفسرين: لأَهْلِ لا إله إلاّ اللَّه، والمُشْفِقُ: المُبَالِغُ في الخوفِ، المُحْتَرِقُ النَّفْسِ من الفَزَع على أَمْرٍ ما.

وقوله سبحانه: { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ... } الآية, المعنى: وَمَنْ يَقُلْ منهم كذا أَنْ لو قاله، وليس منهم مَنْ قال هذا، وقال بَعْضُ المفسرين: المراد بقوله: { وَمَن يَقُلْ... } الآية: إبْلِيسُ، وهذا ضعيفٌ؛ لأَنَّ إبَلِيسِ لم يُرْوَ قَطُّ أَنَّهُ ادَّعَى الرُّبِوبِيَّة، ثم وَقَفَهُمْ سبحانه على عِبْرَةٍ دَالَّةٍ على وَحْدَانِيَّتِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، فقال: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً }، والرَّتْقُ: المُلْتَصِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، الذي لا صَدْعَ فيه ولا فَتْحَ، ومنه: امرأةٌ رتْقَاءُ، واخْتُلِفِ في معنى قوله: { كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } فقالت فِرْقَةٌ: كانت السماءُ مُلْتَصِقَةً بالأَرض ففتقها اللّهُ بالهواء، وقالت فرقةٌ: كانت السمواتُ ملتصقةً بَعْضَهَا ببعضٍ، والأرضُ كذلك ففتقهما اللّه سبعاً سبعاً؛ فعلى هذين القولين فالرُّؤيَةُ الموقَفِ عليها رؤيةُ قلبٍ، وقالت فرقةٌ: السماءُ قبل المَطَرَ رَتْقٌ، والأَرضُ قبل النباتِ رَتْقٌ ففتقهما اللّه تعالى بالمَطَرِ والنَّبَاتِ؛ كما قال تعالى: { { وَٱلسَّمَاءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } [الطارق:11، 12].

وهذا قولٌ حَسَنٌ يَجْمَعُ العِبْرَةَ وتعديدَ النعمةِ والحُجَّةِ بِمحسوسٍ بَيِّنٍ، ويُنَاسِبُ قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ }، أي: من الماءِ الذي كان عَن الفَتْقِ، فَيَظْهَرُ معنى الآية، ويتوجَّهُ الاعتبارُ بها، وقالت فرقة: السماءُ والأَرْضُ رَتْقٌ بالظُّلْمَةِ ففتقهما اللّه بالضَّوْءِ؛ والرُّؤْيَةِ على هذين القولين رُؤْيَةُ العَيْنِ، وباقي الآية بَيِّنٌ.

قال * ص *: قال الزَّجَّاجُ: السمواتُ جَمْعٌ أُرِيدَ به الواحد؛ ولذا قال: { كَانَتَا رَتْقاً }. وقال الحُوفِيُّ: «قال: { كَانَتَا } والسمواتُ جَمْعٌ -: لأَنَّهُ أرادَ الصنفين» انتهى.

وقوله: { سَقْفاً مَّحْفُوظاً } الحِفْظُ هنا عامٌّ في الحِفْظِ من الشيطان، ومن الوهي والسُّقُوطِ، وغير ذلك من الآفاتِ، والفَلَكُ: الجسمُ الدَّائرُ دَوْرَةَ اليومِ والليلةِ. و { يَسْبَحُونَ } معناه: يَتَصَرَّفُونَ، وقالت فرقة: الفَلَكُ مَوْجٌ مكفوفٌ، قوله: { يَسْبَحُونَ } من السِّبَاحَةِ وهي: العَوْمُ.