وقوله سبحانه: { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا... } الآية. المعنى: فانصرفوا من عِيدهِمْ فرأوا ما حَدَثَ بآلهتهم، فــ { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا }؟ و { قالوا } الثاني: الضميرُ فيه للقوم الضَّعَفَةِ الذين سَمِعُوا قولَ إبراهيمَ: { تَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ }.
وقوله: { عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ } يريدُ في الحَفْلِ، وبِمَحْضَرِ الجمهور، وقوله: { يَشْهَدُونَ }: يحتَمِلُ أَنْ يريدَ: الشهادَةَ. عليه بفعله، أو بقوله: { لأَكِيدَنَ }، ويحتمل أنْ يريدَ به: المُشَاهَدَةَ، أي: يشاهدون عُقُوبَتَهُ أو غلبته المُؤَدِّيَةَ إلَى عُقُوبَتِهِ، وقوله عليه السلام: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } على معنى الاحتجاجِ عليهم، أَي: إنَّهُ غَارَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ هو وَتُعْبَدَ الصِّغَارُ معه، ففعل هذا بها لذلك؛ وفي الحديث الصحيح عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ عليه السلام إلاَّ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ: قَوْلُهُ: { إنِّي سَقِيمٌ } [الصافات:89]، وقوله: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا }، وقوله لِلْمَلِكِ: هِيَ أُخْتِي" . وكانت مقالاتُه هذه في ذات اللَّه، وذهبت فرقة إلى أَنَّ معنى الحديث: لم يكذب إبراهيم، أي: لم يقل كلاماً ظاهره الكذب أو يشبه الكذبُ،، وذهب الفَرَّاءُ إلى جهة أخرى في التأويل بأَنْ قال: قوله: فعله ليس من الفعل، وإنما هو فعله على جهة التوقع، حُذِفَ اللامُ على قولهم: عَلَّه بمعنى: لَعَلَّهُ، ثم خُفِّفَتِ اللام. قال * ع *: وهذا تكلف.
قلت: قال عياض: واعلم، (أكرمك اللَّه) أَنَّ هذه الكلماتِ كلها خارجة عن الكذب، لا في القصد ولا في غيره، وهي داخلة في باب المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب، فأَمَّا قوله: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } فإنه عَلَّقَ خبره بشرط النطق، كأَنه قال: إنْ كان ينطق فهو فعله؛ على طريق التبكيت لقومه. انتهى.
ثم ذكر بقية التوجيه وهو واضح لا نطيل بشرده.