خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ
٨٥
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
٨٦
وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٨٧
فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
-الأنبياء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِدْرِيسَ } المعنى: واذكر إسماعيلَ، وقوله سبحانه: { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً } التقدير واذكر ذا النون، قال السُّهَيْلِيُّ: لما ذكر اللَّه تعالى يُونُسَ هنا في معرض الثناء، قال: { وَذَا ٱلنُّونِ }، وقال في الآية الأخرى: { { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [القلم:48] والمعنى واحدٌ، ولكن بين اللفظين تفاوتٌ كثير في حسن الإشارة إلى الحالتين، وتنزيلُ الكلام في الموضعين والإضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب؛ لأنَّ قولك: ذو يضاف بها إلى التابع، وصاحبُ يُضَافُ بها إلى المتبوع، انتهى.

والنون: الحوتُ، والصاحب: يونس بن متى عليه السلام وهو نبيٌّ من أهل نَيْنَوَى.

وقوله: { مُغَـٰضِباً } قيل: إنَّهُ غاضب قومه حين طال عليه أمرهم. وَتَعَنُّتُهُمْ، فذهب فارّاً بنفسه، وقد كان اللَّه تعالى أمره بملازمتهم والصبرِ على دعائهم، فكان ذلك ذَنْبَه، أي: في خروجه عن قومه بغير إذن ربه.

قال عِيَاض: والصحيح في قوله تعالى: { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً» أَنَّهُ مُغَاضِبٌ لقومه؛ لكفرهم، وهو قول ابن عباس، والضَّحَّاكِ وغيرهما، لا لربه؛ إذْ مغاضبة اللَّه تعالى معاداة له، ومعاداةُ اللَّه كفر لا يليق بالمؤمنين، فكيف بالأنبياء - عليهم السلام -؟! وفرارُ يونس عليه السلام خشيةَ تكذيب قومه بما وعدهم به من العذاب.

وقوله سبحانه: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } معناه: أَنْ لن نضيق عليه، وقيل: معناه: نقدر عليه ما أصابه، وقد قُرِىء { نقَدِّرَ } عليه بالتشديد، وذلك، كما قيل لحسن ظَنِّهِ بربه: أَنه لا يقضى عليه بعقوبة، وقال عياض في موضع آخر: وليس في قصة يونس عليه السلام نَصٌّ على ذنب، وإنما فيها أَبَقَ وذهب مغاضباً، وقد تكلمنا عليه، وقيل: إنما نقم الله - تعالى - عليه خروجه عن قومه من نزول العذاب. وقيل: بل لَمَّا وعدهم العذابَ، ثم عفا اللَّه عنهم، قال: واللَّهِ لا ألقاهم بوجه كذَّابٍ أبداً، وهذا كله ليس فيه نَصٌّ على معصية. انتهى.

وقوله سبحانه: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ }. قالت فرقة: معناه: أنْ لن نضيف عليه في مذهبه؛ من قوله تعالى: { { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } [الرعد:26]، وقرأ الزُّهْرِيُّ: «نُقَدِّرُ» بضم النون، وفتح القاف، وشَدِّ الدال، ونحوه عن الحسن.

وروي: أَنَّ يونس عليه السلام سجد في جوفِ الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر.

وقوله: { إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }: يريد فيما خالف فيه من تركِ ملازمة قومه والصبرِ عليهم، وهذا أحسن الوجوه، فاستجاب اللَّه له.

* ت * وليس في هذه الكلمة ما يَدُلُّ أَنَّهُ اعترف بذنب، كما أشار إليه بعضهم، وفي الحديث الصحيح: "دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ، في بَطْنِ الْحُوتِ: { لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إنِّي كُنْتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }، مَا دَعَا بِهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ ـــ أَوْ قَالَ: مُسْلِمٌ ـــ، إلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ" الحديث. انتهى. وعن سعد ابن مالك أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: { لا إله إلاَّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } "أيُّما مُسْلِمٍ دَعَا بِهَا فِي مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ ـــ أُعْطِيَ أَجْرَ شَهِيدٍ، وإنْ بَرِىءَ وَقَدْ غَفَرَ اللّهُ لَهُ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ" أخرجه الحاكم في «المستدرك»، انتهى من «السلاح».

وذكر صاحب «السلاح» أيضاً عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ، إذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ، سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَإنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطُّ إلاَّ اسْتَجَابَ اللّهُ تعالى لَهُ" رواه الترمذي، واللفظ له, والنسائي والحاكم في «المستدرك»، وقال: صحيح الإسناد، وزاد فيه من طريق آخر: "فَقَالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللّهِ، هَلْ كَانَتْ لِيُونُسَ خَاصَّةً، أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ تَسْمَعُ إلَى قَوْلِ اللّهِ عز وجل: { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }" . انتهى.

والغم: ما كان ناله حين التقمه الحوت.