خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١١
يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٢
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ
١٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
١٤
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
١٥
وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ
١٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١٧
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
١٨
-الحج

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ... } الآية نزلت في أعراب، وقوم لا يَقِينَ لهم؛ كان أحدُهم إذا أسلم فاتفق له اتفاقاتٌ حِسَانٌ: من نموِّ مال، وولد يُرْزَقُهُ، وغير ذلك ـــ قال: هذا دِينٌ جَيِّدٌ، وتمسك به لهذه المعاني، وإنْ كان الأمر بخلاف ذلك، تشاءَم به، وارتد؛ كما فعل العُرَنِيون، قال هذا المعنى ابن عباس وغيره.

وقوله: { عَلَىٰ حَرْفٍ } معناه: على انحرافٍ منه عن العقيدة البيضاء، وقال البخاريُّ: { عَلَىٰ حَرْفٍ }: على شَكٍّ، ثم أسند عن ابن عباس ما تقدم من حال الأعراب، انتهى.

وقوله: { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ } يريد الأوثانَ، ومعنى { يَدْعُواْ }: يعبد، ويدعو أيضاً في مُلِمَّاتِهِ، واللام في قوله: { لَمَن ضَرُّهُ }: لام مُؤْذِنَةٌ بمجيء القسم، والثانية في { لَبِئْسَ }: لام القسم، و{ ٱلْعَشِيرُ }: القريب المُعَاشِرُ في الأُمور.

وفي الحديث في شأن النساء: "وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ" يعني الزوج.

قال أبو عمر بن عبد البر: قال أهل اللغة: العشير: الخليط من المعاشرة والمخالطة، ومنه قوله عز وجل: { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }.

انتهى من «التمهيد»، والذي يظهر: أَنَّ المراد بالمولى والعشير هو الوثن الذي ضَرُّهُ أقرب من نفعه، وهو قول مجاهد، ثم عَقَّبَ سبحانه بذكر حالة أهل الإيمان وذكر ما وعدهم به فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ... } الآية، ثم أَخذتِ الآية في توبيخ أولئك الأولين كأنه يقول: هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق، وظَنُّوا أَنَّ اللّه تعالى لن ينصرَ محمداً وأتباعه، ونحن إنَّما أمرناهم بالصبر وانتظارِ وعدنا، فَمَنْ ظَنَّ غير ذلك فليمدد بسبب، وهو الحبل وليختنق هل يذهب بذلك غيظه؟ قال هذا المعنى قتادة، وهذا على جهة المَثَلِ السائر في قولهم: «دُونَكَ الحَبْلُ فَاخْتَنِقْ»، و { ٱلسَّمَاءِ } على هذا القول: الهواء عُلُوّاً، فكأَنه أراد سقفاً أو شجرة، ولفظ البخاري: وقال ابن عباس: «بسبب إلى سَقْفِ البيتِ»، انتهى، والجمهورُ على أنَّ القطع هنا هو الاختناق.

قال الخليل: وقطع الرجل: إذا اختنق بحبل ونحوه، ثم ذكر الآية، ويحتمل المعنى مَنْ ظَنَّ أَنَّ محمداً لا ينصر فليمت كمداً؛ هو منصور لا محالَة، فليختنق هذا الظانُّ غيظاً وكمداً، ويؤيد هذا: أَنَّ الطبري والنقاش قالا: ويُقال: نزلت في نفر من بني أَسَدٍ وغَطَفَانَ، قالوا: نخاف أَلاَّ يُنصرَ محمد؛ فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من يهودٍ من المنافع، والمعنى الأَوَّلُ الذي قيل للعابدين على حرف ـــ ليس بهذا؛ ولكنه بمعنى: مَنْ قلق واستبطأ النصر، وظَنَّ أن محمداً لا يُنْصَرُ فليختنق سفاهةً؛ إذ تعدَّى الأمرُ الذي حد له في الصبر وانتظار صنع اللّه، وقال مجاهد: الضمير في { يَنصُرَهُ } عائدٌ على { مَنْ } والمعنى: مَنْ كان من المتقلّقين من المؤمنين،، وما في قوله: { ما يغيظ } بمعنى الذي، ويحتمل أنْ تكونَ مصدرية حرفاً؛ فلا عائد عليها، وأبينُ الوجوه في الآية: التأويل الأَوَّلُ وباقي الآية بيّن.

وقوله: { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ }، أي: ساجدون مرحومون بسجودهم، وقوله: { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } مُعَادِلٌ له، ويؤيد هذا قوله تعالى بعد هذا: { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } الآية.