وقوله: { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً }: أي حكمةً ونبوَّةً، ودعاؤه في مثل هذا هو في معنى التثبيت والدوام، ولسان الصِّدْق: هو الثَّنَاءُ الحَسَنُ، واستغفاره لأبيه في هذه الآية هو قبل أنْ يَتَبَيَّنَ له أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ.
وقوله: { بِقَلْبٍ سَلِيم } معناه: خالص من الشرك والمعاصي وعلق الدنيا المتروكة، وإنْ كانت مباحة؛ كالمال والبنين؛ قال سفيان هو الذي يَلْقَى رَبَّهُ وليس في قلبه شيء غيره.
قال * ع *: وهذا يقتضي عموم اللفظة، ولكنَّ السليم من الشرك هو الأَهَمُّ، وقال الجُنَيْدُ: بقلب لدِيغٍ من خشية اللّه، والسُّلِيمُ: اللديغ.
* ص *: { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ } الظاهر أَنَّهُ استثناءٌ منقطع، أي: لكن مَنْ أتَى اللّه بقلب سليم، نفعته سلامةُ قلبه، انتهى. { وَأُزْلِفَتِ } معناه: قَرُبَتْ، والغاوون الذين بُرِّزَتْ لهم الجحيم هم: المشركون، ثم أخبر سبحانه عن حال يوم القيامة من أَنَّ الأصنامُ تُكَبْكَبُ في النار، أي: تُلْقَى كَبَّةً واحدة.
وقال * ص *: { فَكُبْكِبُواْ }، أي: قُلبَ بَعْضُهُم على بعض، وحروفه كلها أصول عند جمهور البصريين، وذهب الزَّجَّاج وابن عطية وغيرهما إلى أَنَّه مضاعف الباء من «كَبَّ».
وقال غيرهما: وجعل التَكْرِيرَ من اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى، وذهب الكوفيون إلى: أَنَّ أصلَه «كَبَبَ» والكاف بدلٌ من الباء الثانية، انتهى. والغاوون: الكفرة الذين شملتهم الغواية وجنود إبليس: نَسْلُهُ وكل مَنْ يتبعه؛ لأَنَّهم جند له وأعوان، ثم وصف تعالى أَنَّ أهل النار يختصمون فيها ويتلاومون قائلين لأَصنامهم: { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }: في أنْ نعبدكم ونجعلكم سواءً مع اللّه الذي هو رب العالمين، ثم عطفوا يَرُدُّون الملامة على غيرهم، أي: ما أضلَّنا إلاَّ كُبَراؤُنا وأهلُ الجرم والجراءة، ثم قالوا على جِهةِ التلهف والتأسف حين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعةً في أهل الإيمان عموماً، وشفاعةَ الصَّدِيقِ في صديقه خصوصا { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ }, والحميم: الولي والقريب الذي يَخُصُّكَ أمرَه وتخصه أمرك، وحامَّة الرجل خاصَّتُه، وباقي الآية بَيِّنٌ.