خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
٢٥
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ
٢٦
قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ
٢٧
ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
٢٨
قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
٢٩
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
٣٠
أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
٣١
قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ
٣٢
قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ
٣٣
قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ
٣٤
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ
٣٥
-النمل

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { أَلاَّ يَسْجُدُواْ لِلَّهِ } إلى قوله { ٱلْعَظِيمِ }، ظاهرُه: أنه من قول الهدهد؛ وهو قول ابن زيد وابن إسحاق، ويحتملُ أنْ يكونَ من قول اللّه تعالى اعتراضاً بيْنَ الكَلاَمَيْن، وقراءةُ التشديدِ في { أَلاَّ } تعطى: أن الكلامَ للهدهدِ؛ وهي قراءةُ الجمهورِ، وقراءة التخفيفِ؛ وهي للكسائي تَمْنَعَهُ وتقوِّي الآخرَ؛ فتأملْه، وقرأ الأعمشُ { هَلاَّ يَسْجُدُونَ } وفي حرف عبد اللّه «أَلاَ هَلْ تَسْجُدُونَ» بالتَّاء، و{ ٱلْخَبْءَ }: الخفيُّ من الأمور؛ وهو من خَبَأْتُ الشيءَ، واللفظةُ تَعُمّ كل ما خَفِي من الأمور؛ وبه فسر ابن عباس. وقرأ الجمهورُ: «يُخْفُونَ وَيُعْلِنون» بياء الغائب؛ وهذه القراءة تُعْطى أنَّ الآيةَ من كلامِ الهدهد. وقرأ الكسائيُّ وحفصٌ عن عاصم «تُخْفُونَ وَتُعْلِنُونَ» بتاء الخطاب؛ وهذه القراءة تعطى أنَّ الآية من خطاب اللّه تعالى لأمة سيِّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم.

قوله: { فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ }، قال وهب بن مُنَبِّه: أمره بالتولِّي حُسنُ أدب ليَتَنَحَّى حَسْبَ ما يُتأَدَّبُ به مع الملوك، بمعنى: وكنْ قريباً حتى ترى مراجعاتهم، ولكيلَ الأمر، إلى حُكْمِ ما في الكتابِ دونَ أن تكونَ للرسولِ ملازمةٌ ولا إلحاحٌ. ورَوَى وهب بن منبِّه في قصص هذه الآية: أن الهدهدَ وصل؛ فَوَجَدَ دون هذه المَلِكَةِ حُجُبَ جدراتٍ، فَعَمَدَ إلَى كُوَّةٍ كانتْ بلقيسُ صَنَعَتْهَا، لتَدْخُلَ منها الشمسُ عند طلوعها؛ لمعنَىٰ عبادَتِهَا إيَّاهَا؛ فدخل منها وَرَمَىٰ بالكتابِ إليها؛ فقرأتْه وجَمَعَتْ أهْلَ مُلْكِها؛ فخاطبتهم بما يأتي بعدُ. { قَالَتْ يَٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } تعني: الأشراف: { إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } وصَفَتِ الكتابَ بالكريمِ إما لأنه من عند عظيمٍ، أو لأنه بُدِىء باسمٍ كريمٍ. ثم أخذتْ تصف لهم ما في الكتابِ، ثم أخذتْ في حسْنِ الأدَبِ مَعَ رجَالِها ومشاورتهم في أمرها؛ فراجعها قومُها بما يُقِرُّ عَيْنَها مِنْ إعلامِهم إيَّاها بالقوة، والبأس. ثم سلَّمُوا الأمر إلى نَظَرِها؛ وهذه محاورةٌ حسنة من الجميع. وفي قراءة عبد اللّه: «ما كُنْتُ قَاضِيَةً أَمْراً» بالضاد من القضاء، ثم أخبرتْ بلقيسُ بفِعلِ الملوكِ بالقُرَى التي يَتَغَلَّبُونَ عليها، وفي كلامها خوفٌ على قومِها وحَيْطَة لهم، قال الدَّاوُودِيُّ: وعن ابن عباس: رضي اللّه عنه { إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } قال: إذا أخذوهَا عَنْوَةً، أخربوها، انتهى.

وقوله: { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } قالت فرقة: هو من قول بقليس، وقال ابن عباس: هو من قول اللّه تعالى معرِّفاً لمحمَّدٍ عليه السلام وأمَّتِهِ بذلك.

{ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ... } الآية، روي أن بلقيس قالت لقومها: إني أُجَرِّبُ هذا الرجلَ بهدية فيها نفائسُ الأموالِ، فَإنْ كَانَ مَلِكاً دُنْيَوِيّاً أرضاه المال؛ وإن كان نَبِيّاً لم يقبل الهديةَ، ولم يُرْضِهِ مِنّا إلا أن نَتَّبِعَه على دينه، فينبغي أن نؤمِنَ به، ونتبعه على دينه، فبعثت إليه بهدية عظيمة.